الكريمة : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ ، وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ، ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً).
* * *
ملاحظات
١ ـ أضرار التطفيف في الكيل :
أوّل ملاحظة ينبغي الانتباه إليها هنا ، هي أنّ القرآن الكريم أكدّ مرارا على ضرورة الوزن للناس بالقسطاس ، وحذّر من البخس والتطفيف في الميزان حتى أنّه اعتبر ذلك في موضع ، مرادفا لنظام الخلق في عالم الوجود ، حيث نقرأ في الآيتين (٧ ، ٨) من سورة الرحمن ، قوله تعالى : (وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ ، أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ). والآية تشير إلى أنّ مسألة بخس الناس والتطفيف في الميزان ليست مسألة صغيرة ، بل هي كبيرة وتدخل في صميم أصول العدالة والنظام المهيمن على عالم الوجود برمته.
في مكان آخر ، وبأسلوب أكثر قوّة ، يهدّد القرآن المطففين ، بقوله ، كما في سورة المطففين (١ ـ ٤) : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ، وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ، أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ).
بعض الأنبياء الذين ورد ذكرهم في القرآن كانوا يحاربون التطفيف بعد الشرك مباشرة ، كما حصل لشعيب مع قومه ، ولمّا لم يلتفتوا إلى تعليمات نبيّهم نالهم العذاب الأليم. (تراجع القصة في نهاية آية ٨٥ من سورة آل عمران).
وعادة ، فإنّ الحق والعدل والنظام والحساب ، كل هذه الأمور تعتبر أصولا أساسية للحياة ، بل وتدخل في نظام الوجود والخلق ، لذلك فابتعاد الناس عن هذا الأصل ـ خصوصا بالنسبة لبخس الكيل والتطفيف في الميزان ـ يؤدي إلى إنزال ضربة شديدة بالثقة التي تعتبر جوهر استقرار التعامل الاقتصادي بين الناس.