ثالثا : لا تكن مشركا :
من أجل التأكيد أكثر على أنّ كل هذه التعليمات إنّما تصدر من الوحي وتتسم بالحكمة ، تقول الآية : (ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ).
إنّ استخدام كلمة «الحكمة» هي إشارة إلى أنّ هذه التعاليم والنواهي برغم كونها وحيا سماويا إلهيا ، إلّا أنّها في نفس الوقت يمكن إدراكها بميزان العقل.
وإلّا فمن يستطيع أن ينكر ـ عقلا ـ قباحة الشرك أو القتل أو إيذاء الوالدين أو قبح الزنا والتكبر والغرور ، وظلم اليتامى والعواقب السيئة لنقض العهود وما إلى ذلك؟
بتعبير آخر ، إنّ هذه التعاليم ثابتة عن طريق العقل كما هي ثابتة عن طريق الوحي الإلهي. وعادة ما تكون جميع الأحكام الإلهية على هذه الشاكلة ، بالرغم من أنّ الإنسان لا يستطيع في كثير من الأحيان أن يشخص انسجام جزئيات الأحكام الإلهية مع العقل بحكم عدم كماله ، ويبقى بعد ذلك الوحي هو المجال الوحيد لمصداقية دركها والإيمان بها.
بعض المفسّرين استفادوا من كلمة «حكمة» على أساس أنّ الأحكام المتعدّدة في الآيات السابقة تعتبر من الأحكام الثابتة التي لا تقبل النسخ في جميع الأديان السماوية ، إذ لا يمكن ـ في أي شريعة إلهية ـ اعتبار الشرك وقتل النفس والزنا ونقض العهود أمورا جائزة. لذلك فإنّ هذه الأحكام تعتبر من المحكمات والقوانين الثابتة.
بعد ذلك ينتهي الحديث عن مجموع هذه الأحكام بنفس البداية التي انطلق منها ، حيث يقول تعالى : (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ). لما ذا؟ لأنّ المصير سيكون (فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً).
وفي الحقيقة : إنّ الشرك هو أساس جميع الانحرافات والجرائم والذنوب ، لذلك فإنّ هذه المجموعة من الأحكام بدأت بالشرك وانتهت به.