المجرمين وأهل الجحيم ينظرون ويسمعون ويتكلمون ، فكيف تقول هذه الآية (عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) (١)؟
للمفسّرين أقوال متعدّدة في الإجابة على هذا السؤال ، إلّا أن أفضلها جوابان نستطيع إجمالهما فيما يلي :
أوّلا : إنّ مراحل ومواقف يوم القيامة متعدّدة ، ففي بعض المراحل والمواقف يكون هؤلاء صما وبكما وعميا ، وهذا نوع من العقاب لهم ، لأنّهم لم يستفيدوا من هذه النعم الإلهية بصورة صحيحة في حياتهم الدنيا. إلّا أنّه ـ في مراحل لاحقة ـ فإنّ عيونهم تبدأ بالنظر ، وآذانهم بالسماع ، وألسنتهم بالنطق حتى يروا منظر العذاب ويسمعون كلام الشامتين ، ويبدأون بالتأوه والصراخ وإظهار ضعفهم ، حيث أن كل هذه الأمور هي نوع آخر من العقاب لهم.
ثانيا : إنّ المجرمين وأهل النار محرومون من رؤية ما هو سارّ ومن سماع أمور تبعث على الفرح ، ومن قول كلام يستوجب نجاتهم ، بل على العكس من ذلك ، فهم لا ينظرون ولا يسمعون ولا يقولون إلّا ما يؤذي ويؤلم.
في الختام تقول الآية : (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ).
لكن لا تظنّوا أنّ نارها كنار الدنيا تنطفي في النهاية ، بل هي : (كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً)
* * *
__________________
(١) في الآية (٥٣) من سورة الكهف نقرأ قوله تعالى : (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ) وفي الآية (١٣) من سورة الفرقان قوله تعالى : (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) وفي الآية (١٢) من الفرقان نقرأ : (سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً).