بحوث
١ ـ أزكى الطعام
مع أنّ أصحاب الكهف كانوا بعد يقظتهم بحاجة شديدة إلى الطعام ، إلّا أنّهم قالوا للشخص الذي كلّفوه بشراء الطعام : لا تشتر الطعام من أيّ كان ، وإنّما انظر أيّهم أزكى وأطهر طعاما فأتنا منه.
بعض المفسّرين تأولوا المعنى وقالوا : إنّ المقصود من (أزكى) هو ما يعود إلى الحيوانات المذبوحة ، إذ أنّهم كانوا يعلمون أنّ في تلك المدينة من يبيع لحم الميتة (أي غير المذبوح على الطريقة الشرعية) وأنّ البعض يتكسّب بالحرام ، لذلك أوصوا صاحبهم بضرورة أن يتجنب مثل هؤلاء الأشخاص عند ما يحاول شراء الطعام.
ولكن يظهر أنّ لهذه الجملة مفهوما واسعا يشمل كافة أشكال الطهارات الظاهرية والباطنية (المعنوية) ، وكلامهم وتوصيتهم هي توصية لكافة أنصار الحق ، في أن لا يفكروا بطهارة غذائهم المعنوي وحسب ، بل عليهم أيضا الاهتمام بطهارة طعام الأجسام كي يكون زكيا نقيا من جميع الأرجاس والشبهات. وإنّ هذا الأمر ينبغي أن يلازمهم حتى في أصعب لحظات الحياة وأشدّها عسرا ، لأنّ هذا المعنى هو تعبير عن أصل في وجود المؤمن.
اليوم يسعى معظم أفراد عالمنا للاهتمام بجانب من هذا الأمر ، وهو الجانب المتعلق بالحفاظ على الطعام من أشكال التلوث الظاهري ، إذ يضعون الطعام في أواني مغطاة بعيدة عن الأيدي الملوّثة ، وعن الأتربة والغبار. وهذا العمل بحدّ ذاته جيد جدّا ، إلّا أنّ علينا أن لا نكتفي بهذا المقدار ، بل ينبغي تزكية الطعام وتطهيره من لوثة الشبهة والحرام والرّبا والغش وأي شكل من أشكال التلوّث المعنوي.
وفي الرّوايات الإسلامية هناك تأكيد كبير على الطعام الحلال النقي الزاكي وأثره في صفاء القلب واستجابة الدعاء.