سيطرة المسلمين على ذلك المكان.
٣ ـ الجوانب التربوية لقصّة أهل الكهف
هذه القصّة التأريخية العجبية التي يذكرها القرآن خالية من أي خرافة أو وضع ، وفيها العديد من الدروس التربوية البنّاءة ، تماما كما في قصص القرآن الأخرى ، وإذا كنّا قد أشرنا إلى هذه الدروس ضمن تفسير الآيات ، فإنّنا نرى من الضروري الآن أن نشير إليها بشكل مجمل حتى نقترب أكثر من الهدف الأساس للقرآن ، وفيما يلي أبرز هذه الدروس :
أ: إنّ أول دروس هذه القصّة هو تحطيم حاجز التقليد ، والابتعاد عن التلوّن بلون المجتمع الفاسد. فهؤلاء الفتية حافظوا ـ كما لا حظنا ـ على استقلالهم الفكري في قبال الأكثرية المنحرفة المحيطة بهم ، وهذا الأمر أصبح سببا في نجاتهم وتحرّرهم.
وينبغي للإنسان أن يكون له تأثير بناء على مجتمعه لا أن يكون مسايرا له.
ب : الهجرة من الأوساط المنحرفة درس آخر في هذه القصّة ذات العبر ، فهم قد تركوا بيوتهم وحياتهم المرفّهة المليئة بألوان النعم المادية ، وتركوا مناصبهم ، ورضوا بأنواع الصعوبات وأشكال الحرمان ـ في الغار الذي كان يفتقد كل شيء ـ لكي يحفظوا إيمانهم ، ولا يكونوا من عوامل وأعوان جهاز الظلم والجور والكفر والشرك (١).
ج : التقية بمعناها البنّاء درس آخر نستفيده من هذه القصّة ، لقد كانوا يصرون على عدم اطّلاع أهل المدينة على حالهم وخبرهم ، واحتاطوا ليبقى أمرهم وحالهم مخفيا ، حتى لا يخسروا أنفسهم بدون سبب ، وكي يتجنبوا أن يجبروا
__________________
(١) من أجل المزيد من التفاصيل حول مسألة الهجرة وفلسفتها في الإسلام يمكن مراجعة ما جاء في تفسير الآية (١٠٠) من سورة النساء من تفسيرنا هذا.