زوجا لحد الآن ، ولم أكن امرأة منحرفة قط ، ولم يسمع لحد الآن أنّ شخصا يولد له ولد من غير هذين الطريقين!
إلّا أنّ أمواج هذا القلق المتلاطمة هدأت بسرعة عند سماع كلام آخر من رسول الله إليها ، فقد خاطب مريم بصراحة : (قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) فأنت الواقفة على قدرتي والعالمة بها جيدا .. أنت التي رأيت ثمر الجنّة في فصل لا يوجد شبيه لتلك الفاكهة في الدنيا جنب محراب عبادتك. أنت التي سمعت نداء الملائكة حين شهدت بعفتك وطهارتك .. أنت التي تعلمين أنّ جدك آدم قد خلق من التراب ، فلما ذا هذا التعجب من سماعك هذا الخبر؟
ثمّ أضاف : (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا) فنحن نريد أن نبعثه للناس رحمة من عندنا ، ونجعله معجزة ، وعلى كل حال (وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا). فلا مجال بعد ذلك للمناقشة.
* * *
بحثان
١ ـ ما هو المراد من روح الله؟
إنّ كل المفسّرين المعروفين تقريبا فسّروا الروح هنا بأنّه جبرئيل ملك الله العظيم ، والتعبير عنه الروح لأنّه روحاني ، ووجود مفيض للحياة ، لأنّه حامل الرسالة الإلهية إلى الأنبياء وفيها حياة جميع البشر اللائقين ، وإضافة الروح هنا إلى الله دليل على عظمة وشرف هذا الروح ، حيث أنّ من أقسام الإضافة هي (الإضافة التشريفية).
ويستفاد من هذه الآية بصورة ضمنية أنّ نزول جبرئيل لم يكن مختصا بالأنبياء ، وإن كان نزوله بالوحي والشريعة والكتب السماوية منحصرا فيه ، إلّا أنّه لا مانع من أن يواجه غير الأنبياء من أجل تبليغ رسائل وأوامر أخرى ، كرسالته المذكورة إلى مريم.