٢ ـ ما هو التمثل؟
«التمثل» في الأصل من «المثول» ، أي الوقوف مقابل شخص أو شيء ، ويقولون للشيء الذي يظهر بصورة أخرى : ممثلا ، وعلى هذا فإنّ قوله : (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) تعني أن ذلك الملك قد ظهر بصورة إنسان.
ولا شك أنّ هذا الكلام لا يعني أن جبرئيل قد تبدل إلى إنسان شكلا وسيرة ، لأنّ مثل هذا التحول والتبدل أمر غير ممكن ، بل المراد أنّه ظهر بصورة إنسان بالرغم من أنّ سلوكه كان نفس ذلك السلوك الملائكي ، إلّا أنّ مريم التي لم تكن تعلم بالأمر في البداية ، كانت تظن أن في مقابلها إنسانا سيرة وصورة.
وتلاحظ كثيرا في الرّوايات والتواريخ كلمة «تمثل» بمعناها الواسع ، ومن جملتها : إنّ إبليس لما اجتمع المشركون في «دار الندوة» وكانوا يخططون لقتل النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ظهر بصورة شيخ كبير حصيف الرأي ، يهدف إلى الخير وشرع بإغواء رؤساء قريش.
أو أنّ الدنيا وباطنها تمثلت للإمام علي عليهالسلام على شكل امرأة في غاية الجمال والجذابية ولم تستطع أن تنفذ إليه ، وقصتها مفصّلة معروفة.
ونقرأ أيضا في الرّوايات أنّ مال الإنسان وولده وعمله تتجسم أمامه عند الموت بصورة مختلفة وخاصّة.
أو أنّ أعمال الإنسان تتجسم في القبر ويوم القيامة ، ويظهر كل منها بشكل خاص.
إن التمثّل في جميع هذه الوارد يعني أن شيئا أو شخصا يظهر بشكل آخر من ناحية الصورة والشكل فقط ، لا أن تتبدّل ماهيته وباطنة (١).
* * *
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج ١٤ ، ص ٣٧.