حيث رأت كل ذلك اللطف والإحسان الإلهي ، أجرت مثل هذه الجملة على لسانها وقالت: (يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) ، إلّا أنّ هؤلاء لم يدركوا أبدا حال مريم في تلك الساعة ، ولو أنّهم أصابهم شيء قليل من هذه المشاكل فإنّهم سينسون حتى أنفسهم.
إلّا أنّ هذه الحالة لم تدم طويلا ، فقد سطعت ومضة الأمل التي كانت موجودة دائما في أعماق قلبها ، وطرق سمعها صوت (فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) وانظري إلى الأعلى كيف أن هذا الجذع اليابس قد تحول إلى نخلة مثمرة (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً) بالمولود الجديد (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا). وهذا الصوم هو المعروف بصوم السكوت.
وخلاصة الأمر ، إنّك لا تحتاجين إلى الدفاع عن نفسك ، فإنّ الذي وهبك هذا الوليد قد تعهد بمهمّة الدفاع عنك أيضا ، وعلى هذا فليهدأ روعك من كل الجهات ، ولا تدعي للهم طريقا إلى نفسك.
إن هذه الحوادث المتلاحقة التي سطعت كالشرر المضيء الوهاج في الظلام الدامس ، قد أضاءت كل أرجاء قلبها ، وألقت عليها الهدوء والاطمئنان.
* * *
بحوث
١ ـ ازدياد قوة مريم عند تراكم المشاكل
إنّ الحوادث التي مرّت على مريم في هذه المدّة القصيرة ، والمشاهد والمواقف التي تثير الإعجاب ، والتي حدثت لها بلطف الله ، كانت تهيؤها وتعدها من أجل تربية نبي من أولي العزم ، ولتستطيع أن تؤدي وظيفة الأمومة من خلال