دقيقة يقف عليها من سبر تراجمهم وقرأ تاريخهم ، ولم يكتفوا بذلك فحسب بل جعلوا تنظيمات الدعوة من صميم العقيدة وفلسفتها.
يقول المؤرخ الإسماعيلي المعاصر : وبالحقيقة لم توجه أية دولة من الدول ، أو فرقة من الفرق ، اهتماماً خاصاً بالدعاية وتنظيمها ، كما اهتمّت بها الإسماعيلية ، فجعلت منها الوسيلة الرئيسية لتحقيق نجاح الحركة في دور الستر والتخفّي ، ودور الظهور والبناء معاً. ولقد أحدث التخطيط الدعاوي المنظم تنظيماً عجيباً لم يسبقهم إليه أحد في العالم ، وابتكرت الأساليب المبنية على أُسس مكينة مستوحاة من عقيدتها الصميمة.
ولقد برعوا براعة لا توصف في تنظيم أجهزة الدعاية ـ على قِلّة الوسائل في ذلك العصر ـ واستطاعوا أن يشرفوا بسرعة فائقة على أقاصي بقاع البلدان الإسلامية ، ويتنسمون أخبار أتباعهم في الأبعاد المتناهية. وذلك بما نظموا من أساليب وأحدثوا من وسائل. وقد كان للحمام الزاجل ـ الذي برع في استخدامه دعاة الإسماعيلية ـ أثره الفعّال في تنظيم نقل الأخبار والمراسلات السرية الهامّة. (١)
شعرت الدعوة الإسماعيلية أيام نشوئها بأنّه لا بقاء لها إلّا إذا أضفتْ طابع القداسة على أئمّتهم ودعاتهم بحيث توجب مخالفتهم مروقاً عن الدين وخروجاً عن طاعة الإمام « والجدير بالاهتمام انّ الإمام الإسماعيلي ـ والذي يعتبر رئيساً للدعوة ـ جعل الدعاة من ( حدود الدين ) إمعاناً منه في إسباغ الفضائل عليهم ليتمكّنوا من نشر الدعوة وتوجيه الأتباع والمريدين دونما أيّة معارضة أو مخالفة ،
______________________
١. مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الإسماعيلية : ٣٧.