فيها الأخيار من أهل ذلك الزمان ، قوم مشتق اسمهم من الكتمان ، فإنّهم كتامة وبخروجكم من هذا الفج يسمّى فجُ الأخيار.
ثمّ إنّه قال للكتاميين : أنا صاحب البدر الذي ذكر لكم أبو سفيان والحلواني ، فازدادت محبتهم له وتعظيمهم لأمره. ثمّ إنّ الحسن بن هارون وهو من أكابر كتامة ، فأخذ أبا عبد الله إليه ، ودافع عنه ، ومضيا إلى مدينة ناصرون فأتته القبائل من كلّ مكان وعظم شأنه ، وصارت الرئاسة للحسن بن هارون ، فاستقام له أمر البربر وعامة كتامة. ثمّ كان الأمر على ذلك حتى توفي الإمام الحسين بن أحمد عام ٢٨٩ هـ وعهد بالإمامة من بعده لابنه محمد المهدي ، وقال له : إنّك ستهاجر بعدي هجرة بعيدة ، وتلقىٰ محناً شديدة ، فلمّا قام عبيد الله بعد أبيه انتشرت دعوته ، وأرسل إليه أبو عبد الله الشيعي رجالاً من كتامة من المغرب ليخبروه بما فتح الله عليه وانّهم ينتظرونه. وهذا ما سنذكره في سيرة الإمام التالي الإمام عبيد الله المهدي. (١)
* * *
هؤلاء هم الأئمّة المستورون عند الإسماعيلية ، والذي يدلّ على ذلك أنّ القاضي النعمان وصفهم بالاستتار ، وجعل مبدأ الظهور قيام عبد الله الإمام المهدي بالله ، وإليك أبياته في أُرجوزته يقول :
واشتدت المحنة بعد جعفرٍ |
|
فانصرف الأمر إلى التستر |
وكان قد أقام بعضَ ولده |
|
مقامَه لمّا رأى من جَلدِه |
فجعل الأمر له في ستر |
|
فلم يكن قالوا بذاك يدري |
لخوفه عليه من أعدائه |
|
إلّا ثقاتُ محضِ أوليائِه |
______________________
١. الجزري : الكامل : ٨ / ٣١ ـ ٣٧ ؛ تاريخ ابن خلدون : ٤ / ٤٠ ـ ٤٤ ، وأيضاً ص ٢٦١ . وقد لخصنا القصة وحذفنا ما ليس له صلة بالموضوع كالحروب التي خاضها أبو عبد الله الشيعي.