يا عجباه ، أتخاف من بينك وبينه ستمائة فرسخ ، ولا تخاف من بينك وبينه مائة ذراع ؟! وحلف ألّا يكلّمه ، وكذلك المرتضى ، فعلا ذلك تقية وخوفاً من القادر ، وتسكيناً له.
ولمّا انتهى الأمر إلى القادر سكتَ على سوءٍ أضمره ، وبعد ذلك بأيام صرفه عن النقابة ، وولّاها محمد بن عمر النهر السايسي. (١)
لمّا تمكن أبو عبد الله واستقر أمره مهّد الطريق لإمامة عبيد الله المهدي ، فبعثَ برجال من كتامة إلى سلمية في أرض الشام ، فقدِموا على عبيد الله وأخبروه بما فتح الله عليه ، وكان قد اشتهر هناك انّ الخليفة المكتفي طلبه ، فخرج من سلَمية فارّاً ومعه ابنه أبو القاسم نزّار ، ومعهما أهلهما فأقاما بمصر مستقرين ، ثمّ سار إلى طرابلس وقد سبقَ خبره إلى « زيادة الله » فسار إلى قسطيلية فقدم كتاب « زيادة الله » ابن الأغلب إلى عامل طرابلس بأخذ عبيد الله وقد فاتهم ، فلم يدركوه ، فرحل إلى سجلماسة وأقام بها ، فوافىٰ عامله علىٰ سجلماسة كتاب زيادة الله ، بالقبض علىٰ عبيد الله فلم يجد بداً من أن قبض عليه وسجنه. فلمّا دخل شهر رمضان سار أبو عبد الله من رقادة في جيوش عظيمة يريد سجلماسة ، فحاربه اليسع يوماً كاملاً إلى الليل ثمّ فر عاملها في خاصته ، فدخل أبو عبد الله من الغد إلى البلد وأخرج عبيد الله وابنه ومشى في ركابهما بجميع رؤساء القبائل ، وهو يقول للناس : هذا مولاكم ، وهو يبكي من شدة الفرح حتى وصل بهما إلىٰ فسطاط وأقاما فيها أربعين يوماً ، ثمّ سار إلى إفريقية في ربيع الآخر سنة سبع وتسعين ونزل برقادة ، وقسّم علىٰ وجوه كتامة أعمال إفريقية. (٢)
______________________
١. شرح نهج البلاغة : ١ / ٣٧ ـ ٣٩.
٢. المقريزي : الخطط المقريزية : ١ / ٣٥٠ ، دار صادر ؛ ابن خلكان : وفيات الأعيان : ٢ / ١٩٢.