إنّ الأقلية المعارضة من أجل الحفاظ على كيانها لا مناص لها من تربية فدائيين مضحِّين بأنفسهم في سبيل الدعوة لصيانة أئمّتهم ودعاتهم من تعرض الأعداء ، فينتقون من العناصر المخلصة المعروفة بالتضحية والإقدام ، والشجاعة النادرة ، والجرأة الخارقة ، ويكلَّفون بالتضحيات الجسدية ، وتنفيذ أوامر الإمام أو نائبه ، وإليك أحد النماذج المذكورة في التاريخ :
في سنة ٥٠٠ هجرية فكر فخر الملك بن نظام وزير السلطان سنجر ، أن يثأر لأبيه وهاجم قلاع الإسماعيلية ، فأوفد إليه الحسن بن الصباح أحد فدائييه فقتله بطعنة خنجر ، ولقد كانت قلاعه في حصار مستمر من قبل السلجوقيين.
وفي سنة ٥٠١ هـ حوصرت قلعة « آلموت » من قبل السلطان السلجوقي واشتد الحصار عليها ، فأرسل السلطان رسولاً إلى الحسن بن الصباح يطلب منه الاستسلام ، ويدعوه لطاعته ، فنادى الحسن أحد فدائييه وقال له : ألقي بنفسك من هذا البرج ففعل ، وقال للثاني : اطعن نفسك بهذا الخنجر ففعل ، فقال للرسول : اذهب وقل لمولاك إنّه لدي سبعونَ ألفاً من الرجال الأُمناء المخلَصين أمثال هؤلاء الذين يبذلون دماءهم في سبيل عقيدتهم المثلى. (١)
وقد تفشّت هذه الظاهرة بين أوساطهم ، وآل أمر الأتباع إلى طاعة عمياء لأئمتهم ودعاتهم في كلّ حكم يصدر عن القيادة العامة ، أو الدعاة الخاصين دون الإفصاح عن أسبابه ، وبلغ بهم الأمر إطاعتهم لأئمّتهم في رفع بعض الأحكام الإسلامية عن الجيل الإسماعيلي بحجة انّ العصر يضاده ، ويشهد على ذلك ما كتبه المؤرّخ الإسماعيلي إذ يقول عن إمام عصره آغا خان الثالث إنّه قال : « إنّ الحجاب يتعارض والعقائد الإسماعيلية ، وإنّي أُهيب بكل إسماعيلية أن تنزع
______________________
١. مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الإسماعيلية : ٢٦٣.