إنّ لكلّ دولة أجلاً مسمّى ، كما أنّ لطلوعها ونشوئها عللاً ، كذلك لزوالها وإبادتها أسباباً سنّة الله سبحانه الذي قد كتب على كلّ أُمّة أمرَ زوالها وفنائها قال سبحانه : ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ (١) وقال سبحانه : ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ﴾. (٢)
لا شكّ أنّ كلَّ دولة يرأسها غيرُ معصوم لا تخلو من أخطاء وهفوات ، بل من جرائم وآثام ، وربّما تنتابها بين آونة وأُخرى حوادث وفتن ، تضعضع كيانها وتشرفها على الانهيار.
ومع ذلك فالدولة الفاطميّة غير مستثناة عن هذا الخط السائد ، فقد كانت لديهم زلّات وعثرات ومآثم وجرائم كسائر الدول.
إلّا أنّهم قاموا بأعمال ومشاريع كبيرة لا تقوم بها إلّا الدولة المؤمنة بالله سبحانه وشريعته ، كالجامع الأزهر ، ـ الذي ظل عبر الدهور يُنير الدرب لأكثر من ألف سنة ـ ، كما أنّهم أنشأوا جوامع كبيرة ، ومدارس عظيمة مذكورة في تاريخهم ، وبذلك رفعوا الثقافة الإسلامية إلى مرتبة عالية ، وتلك الأعمال جعلت لهم في قلوب الناس مكانة عالية.
وممّا يدلّ على أنّ حكمهم لم يكن حكماً استبدادياً ، ولم تكن سيرتهم على سفك الدماء ، أنّ البعضَ منهم تسلموا الخلافة وهم بين خمس سنين إلى عشر سنين ، فلو كانت حكومتهم حكومة ظالمة ومالكة للرقاب بالتعسف والظلم ، لانهار ملكهم منذ أوائل خلافتهم ، ولم يدم ثلاثة قرون ، وسط عدوّين شرسين ، الخلافة العباسيّة من جانب ، والافرنج من جانب آخر.
غير أنّا نرى أنّ أكثر المؤرّخين يصوّرونهم كالفراعنة ، وأنّهم فراعنة الأعصار
______________________
١. الرحمن : ٢٦ ـ ٢٧. |
٢. الأنبياء : ٣٤. |