فالرسالة العامّة شاملة طبعاً ، وعقلاً ، ولولا الرسالة الأُولى العامّة ، لن تُقبل الرسالة الخاصّة ، وذلك لأنّه تعالى خلق الصورة الآدميّة ، وأكمل منافعها ، وسوّاها على أحسنِ هيئة ، ووضع فيها العقل الغريزي ، الذي إليه ترجع أحوال الصورة لنيل منافعها ، فهو الرسول الأوّل المُعدُّ لقبول أمر الرسول الثاني ، الخاص لمنافع النفس في الآخرة ، مثلما كان الأوّل لمنافع الدنيا ، وعلى الأوّل يعول في الاغتذاء ، وطلب المصالح بغير ثواب ولا عقاب ، إذ هو أمرٌ بديهي لمنافع الصورة ، وعلى الثاني يكون الحساب والعقاب ، إذ هو أمرٌ ربّانيّ ، يدعو إلى دار غير دار الطبيعة.
إلى أن قال :
فإذا أظهر الرسول الرسالة ، كانت الفضيلة على المستضيء المنتفع بها ، وذلك القادح هو الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الخلق وحجّته على أهل زمانه ، وهو لسانه فيهم ، وترجمانه في العالم السفلي بأسره ، والمتبحّر أبداً في الحكمة. (١)
أقول : إنّ تسمية العقل الإنسانيّ بالرسول لا يخلو من شيء ، والأولى تسميته بالحُجّة الباطنة ، في مقابل الحجّة الظاهرة ، الذي هو النبي.
إنّ الوحي : إلهام خاص بالأنبياء والمرسلين ، إذا كانت لغاية التشريع ، وتبيين الوظائف لمن بعثوا إليهم ، وله طرق ثلاثة ، جاء في الذكر الحكيم ، قال سبحانه :
﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّـهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾. (٢)
______________________
١. تاج العقائد : ٤٨ ـ ٥٠.
٢. الشورى : ٥١.