بعضه ببعض ، يشهد كلّ شيء منه لصاحبه ، ويطابقه ويوافقه فما وجب في الظاهر ، وجب كذلك مثله ونظيره في الباطن ، لا يجزي إقامة أحدهما دون الآخر ، ولا يحلُّ في الظاهر ما حُرّم في الباطن ، ولا في الباطن ما حُرم في الظاهر ، وإيّاكم أن يستميلكم عن ذلك ، تحريف المحرّفين ، ولا شبهات الشياطين ، فإنّ الله عزّ وجلّ يقول : ﴿ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ﴾ (١) وقال : ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ﴾ (٢) وقال : ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ (٣). (٤)
يقول : الصلاة في الظاهر ما تعبّد الله عباده المؤمنين به ، ليُثيبهم عليه ، وذلك ممّا أنعم الله عزّ وجلّ به عليهم ، وقد أخبر تعالى أنّه ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ فظاهر النّعمة في الصلاة إقامتها في الظاهر ، بتمام ركوعها وسجودها وفروضها ومسنونها ، وباطن النّعمة كذلك في إقامة دعوة الحقّ في كلّ عصرٍ كما هو في ظاهر الصلاة. (٥)
ويقول أيضاً : افترض الله خمسَ صلوات في الليل والنهار سمّاها في كتابه.
وتأويل ذلك أنّ الخمس الصلوات في الليل والنهار في كلِّ يوم وليلة مثلها في الباطن مثلُ الخمس الدعوات لأُولي العزم من الرسل الذين صبَروا على ما أُمروا به ، ودَعوا إليه.
فصلاة الظهر وهي الصلاة الأُولى مَثَلٌ لدعوة نوح (ص) ، وهي الدعوة
______________________
١. الأنعام : ١٢٠.
٢. الأعراف : ٣٣.
٣. لقمان : ٢٠.
٤. تأويل الدعائم : ١ / ١٦٧.
٥. تأويل الدعائم : ١ / ١٧٧.