إنّ السبب الغالب لبروز فكرة التوقف بين طائفة من الشيعة هو أنّها رزحت تحت نير الحكم الأُموي والعباسي ولولا لجوئها إلى التقية واتخاذها سلاحاً لما كتب لها البقاء ، حتى أنّ الاتهام بالزندقة والإلحاد كان أخف وطأً من الاتّهام بالتشيّع في فترة خلافة عبد الملك بن مروان وإمارة الحجاج على العراق ، فكان الأئمّة لا يبوحون بأسرارهم إلّا لخاصتهم ، حتى نرى أنّ رحيل كلّ إمام تعقبه هوة بين الشيعة برهة من الزمن إلى أن يستقرَّ الرأي على الحقّ.
هذا هو السبب الغالب لنشوء بعض الفرق بين الشيعة الذين لم يكن لديهم أيّ اختلاف في الأُصول والفروع إلّا في القيادة والإمامة.
إنّ عصر هارون الرشيد كان عصر القمع والكبت والتضييق على الشيعة وإمامهم ، وكانت سياسته على غرار سياسة أبي جعفر الدوانيقي ، والتاريخ يحدثنا عن السياسة التي اتبعها مع الإمام موسى الكاظم عليهالسلام.
كان الإمام مهوى قلوب الشيعة ، يتلقون عنه أحكام الدين وأُصول المذهب ، وربما تحمل إليه الأموال من المشرق ومن المغرب فشق على هارون لمّا أخبره بعض جواسيسه بهذا الأمر ، ولأجل معالجة هذا الموقف الذي أشغل فكره ، حجّ في تلك السنة وزار قبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا رسول الله إنّي أعتذر إليك من شيء أُريد أن أفعله ، أُريد أن أحبس موسى بن جعفر ، فإنّه يريد التشتيت بأُمّتك وسفك دمائها. ثمّ أمر به فأُخذ من المسجد فأُدخل إليه فقيّده ، وأُخرج من داره بغلان عليهما قبتان مغطاتان هو عليهالسلام في إحديهما ، ووجه مع كلّ واحدة منهما خيلاً ، فأخذ بواحدة على طريق البصرة ، والأُخرى على طريق الكوفة ، ليعمى على الناس أمره ، وكان في التي مضت إلى البصرة.
وأمر الرسول أن
يسلّمه إلى عيسى بن جعفر بن المنصور ، وكان على البصرة