الإمام علي عليهالسلام أوّل من فتحَ باب الأبحاث العقلية على مصراعيه وبيّن الخطوط العريضة لكثير من العقائد على ضوء البرهان والدليل.
إنّ ظاهرة الجمود في أوساط العباسيين ولّدت ردّ فعلٍ عند أئمة الإسماعيليّة ، فانجرفوا في تيارات المسائل الفلسفية وجعلوها من صميم الدين وجذوره ، وانقلب المذهب إلى منهج فلسفي يتطوّر مع تطوّر الزمن ، ويتبنّى أُصولاً لا تجد منها في الشريعة الإسلامية عيناً ولا أثراً.
يقول المؤرّخ الإسماعيلي المعاصر : إنّ كلمة « إسماعيلية » كانت في بادئ الأمر تدل على أنّها من إحدى الفرق الشيعية المعتدلة ، لكنّها صارت مع تطور الزمن حركة عقلية تدلّ على أصحاب مذاهب دينية مختلفة ، وأحزاب سياسية واجتماعية متعدّدة ، وآراء فلسفية وعلمية متنوعة. (١)
ظهرت الدعوة الإسماعيلية في ظروف ساد فيها سلطانُ العباسيين شرقَ الأرض وغربها ، ونشروا في كلّ بقعة جواسيس وعيوناً ينقلون الأخبار ـ خاصة أخبار مخالفيهم ومناوئيهم ـ إلى مركز الخلافة الإسلامية ، ففي مثل هذه الظروف العصيبة لا يكتب النجاح لكلّ دعوة تقوم ضد السلطة إلّا إذا امتلكت تنظيماً وتخطيطاً متقناً يضمن استمرارَها ، ويصون دعاتها وأتباعها من حبائل النظام الحاكم وكشف أسرارهم.
وقد وقف الدعاة على خطورة الموقف وأحسّوا بلزوم إتقان التخطيط والتنظيم ، وبلغوا فيه الذروة بحيث لو قورنت مع أحدث التنظيمات الحزبية العصرية ، لفاقتها وكانت لهم القدح المعلّى في هذا المضمار ، وقد ابتكروا أساليب
______________________
١. مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الإسماعيلية : ١٤ ، والمؤلف سوري إسماعيلي وفي طليعة كُتّابهم.