في الآية (٧٣) من سورة الحجّ : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) ومع هذا الحال كيف يكون هؤلاء أهلا للعبادة؟
التعبير بـ (آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ) إشارة إلى الأصنام والمعبودات التي كانوا يصنعونها من الحجارة والخشب ، وكانوا يظنّونها حاكمة على السماوات.
وتبيّن الآية التالية أحد الأدلّة الواضحة على نفي آلهة وأرباب المشركين ، فتقول : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ).
هذه الادّعاءات غير الصحيحة وهذه الأرباب المصنوعة والآلهة المظنونة ليست إلّا أوهاما ، وساحة كبرياء ذاته المقدّسة لا تتلوّث بهذه النسب المغلوطة.
برهان التمانع :
إنّ الدليل الوارد في الآية آنفة الذكر ولإثبات التوحيد ونفي الآلهة ، في الوقت الذي هو بسيط وواضح ، فإنّه من البراهين الفلسفيّة الدقيقة في هذا الباب ، ويذكره العلماء تحت عنوان (برهان التمانع). ويمكن إيضاح خلاصة هذا البرهان بما يلي :
إنّنا نرى ـ بدون شكّ ـ نظاما واحدا حاكما في هذا العالم ، ذلك النظام المتناسق من جميع جهاته ، فقوانينه ثابتة تجري في الأرض والسّماء ، ومناهجه متطابقة بعضها مع بعضها ، وأجزاؤه متناسبة.
إنّ انسجام القوانين وأنظمة الخلقة هذا يحكي أنّها تنبع من عين واحدة ، لأنّ البدايات إن كانت متعدّدة ، والإرادات مختلفة ، لم يكن يوجد هذا الانسجام مطلقا ، وهذا الشيء الذي يعبّر عنه القرآن بـ (الفساد) يلاحظ في العالم بوضوح.
إذا كنّا من أهل التحقيق والمطالعة ـ ولو قليلا ـ فإنّا نستطيع أن نفهم جيدا من خلال تحقيق كتاب ما ، أنّ كاتبه شخص واحد أم عدّة أشخاص؟ فإنّ الكتاب الذي يؤلّفه شخص واحد يوجد انسجام خاص بين عباراته ، ترتيب
جمله ، تعبيراته المختلفة ، كناياته وإشاراته ، عناوينه ورؤوس مطالبه ، طريقة الدخول في البحوث