ست عشرة سنة (١) وذكر البعض الآخر أنّ عمره عند ذاك كان (٢٦) سنة (٢).
وعلى كلّ حال فإنّه كان في عمر الشباب ، ومع أنّه لم يكن معه أحد يعينه ، فإنّه رمى بسهم المواجهة في وجه طاغوت زمانه الكبير الذي كان حاميا للطواغيت الآخرين ، وهبّ بمفرده لمقارعة الجهل والخرافات والشرك ، واستهزاء بكلّ مقدّسات المجتمع الخيالية الواهية ، ولم يدع للخوف من غضب وانتقام الناس أدنى سبيل إلى نفسه ، لأنّ قلبه كان مغمورا بعشق الله ، وكان اعتماده وتوكّله على الذات المقدّسة فحسب.
أجل ... هكذا هو الإيمان ، أينما وجد وجدت الشهامة ، وكلّ من حلّ فيه فلا يمكن أن يقهر!
إنّ أهمّ الاسس التي ينبغي للمسلمين الاهتمام بها لمقارعة القوى الشيطانية الكبرى ، في دنيا اليوم المضطربة ، هو هذا الأساس والرأسمال العظيم ، وهو الإيمان ، ففي حديث عن الإمام الصادق عليهالسلام : «إنّ المؤمن أشدّ من زبر الحديد ، إنّ زبر الحديد إذا دخل النّار تغيّر ، وإنّ المؤمن لو قتل ثمّ نشر ثمّ قتل لم يتغيّر قلبه» (٣).
٣ ـ إبراهيم ونمرود
جاء في التواريخ أنّه عند ما ألقوا إبراهيم في النّار ، كان نمرود على يقين من أنّ إبراهيم قد أصبح رمادا ، أمّا عند ما دقّق النظر ووجده حيّا ، قال لمن حوله : إنّي أرى إبراهيم حيّا ، لعلّي يخيّل إليّ! فصعد على مرتفع ورأى حاله جيدا فصاح نمرود : يا إبراهيم إنّ ربّك عظيم ، وقد أوجد بقدرته حائلا بينك وبين النّار! ولذلك فإنّي أريد أن أقدّم قربانا له ، وأحضر أربعة آلاف قربان لذلك ، فأعاد إبراهيم القول
__________________
(١) مجمع البيان ، ذيل الآيات مورد البحث.
(٢) تفسير القرطبي ، المجلّد ٦ ، ص ٤٣٤٤.
(٣) سفينة البحار ، مادّة أمن ، ج ١ ، ص ٣٧.