الخيّرة ...
ومن جهة أخرى ، فإنّ يونس لمّا كان يعلم أنّ العذاب الإلهي سينزل بهم سريعا ، فإنّ ترك تلك المدينة لم يكن معصية ، ولكن كان الأولى لنبي عظيم كيونس ألّا يتركها حتّى آخر لحظة ـ اللحظة التي سيعقبها العذاب الإلهي ـ ولذلك آخذه الله على هذه العجلة ، واعتبر عمله تركا للأولى.
وهذا هو عين ما أشرنا إليه في قصّة آدم عليهالسلام من أنّ المعصية ليست مطلقة ، بل نسبيّة ، أو بتعبير آخر هي مصداق «حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين». ولمزيد الاطّلاع راجع ما ذكرناه ذيل الآية (١٩) وما بعدها من سورة الأعراف.
٤ ـ درس مصيري
جملة (كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) العميقة المعنى توحي بأنّ ما أصاب يونس من البلاء والنجاة لم يكن حكما خاصّا ، بل حكم عام مع حفظ تسلسل الدرجات والمراتب.
إنّ كثيرا من الحوادث المؤلمة والابتلاءات الشديدة والمصائب نتيجة لذنوبنا ومعاصينا ، وهي سياط لتنبيه الأرواح الغافلة ، أو هي مواقد لتصفية معادن أرواح الآدميين فمتى ما تنبّه الإنسان إلى ثلاثة أمور [التي انتبه إليها يونس في مثل هذا الظرف] فإنّه سينجو حتما :
١ ـ التوجّه إلى حقيقة التوحيد ، وأنّه لا معبود ولا سند إلّا الله.
٢ ـ تنزيه الله عن كلّ عيب ونقص وظلم وجور ، وتجنّب كلّ سوء ظنّ بذاته المقدّسة.
٣ ـ الاعتراف بذنبه وتقصيره.
والشاهد على هذا الكلام الحديث المروي في الدرّ المنثور عن الرّسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «اسم الله الذي إذا دعي به أجاب ، وإذا سئل به أعطى دعوة