الجملة هو : إنّ أولئك قد استسلموا أمام عوامل التفرقة والنفاق ، ورضوا بأن يبتعد أحدهم عن الآخر ، وأنهوا اتّحادهم الفطري والتوحيدي ، فمنوا ـ نتيجة ذلك ـ بكلّ تلك الهزائم والشقاوة!
وتضيف في النهاية : (كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ) فإنّ هذا الاختلاف عرضي يمكن اقتلاعه ، وسيسيرون في طريق الوحدة جميعا في يوم القيامة ، وقد أكّد على هذه المسألة في كثير من الآيات القرآنية ، وهي أنّ واحدة من خصائص يوم القيامة زوال الاختلافات وذوبانها والرجوع إلى الوحدة ، فنقرأ في الآية ٤٨ / سورة المائدة : (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).
ويلاحظ هذا المضمون في آيات متعدّدة من القرآن الكريم (١) ، وعلى هذا فإنّ خلق البشر بدأ من الوحدة ، ويرجع إلى الوحدة.
وتبيّن الآية الأخيرة نتيجة الانسجام مع الامّة الواحدة في طريق عبادة الله ، أو الانحراف عنها واتّخاذ طريق التفرقة ، فتقول : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ) ومن أجل زيادة التأكيد قالت : (وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ).
وممّا يستحقّ الانتباه ، أنّ الإيمان والعمل الصالح قد ذكرا في هذه الآية ـ ككثير من آيات القرآن الاخرى ـ كركنين أساسيّين لنجاة البشر ، غير أنّ كلمة (من) التبعيضيّة تضيف إلى ذلك أنّ القيام بكلّ الأعمال الصالحة ليس شرطا ، فإنّ المؤمنين إذا قاموا ببعض الأعمال الصالحة فإنّهم من أهل النجاة والسعادة.
وعلى كلّ حال ، فإنّ هذه الآية ككثير من آيات القرآن الاخرى قد عدّت الإيمان شرطا لقبول الأعمال الصالحة.
ذكر جملة (فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ) في مقام بيان ثواب مثل هؤلاء الأفراد ، هو
__________________
(١) آل عمران ـ ٥٥ ، والأنعام ـ ١٦٤ ، والنحل ـ ٩٢ ، والحجّ ـ ٦٩ ، و...