يرجعوا إلى الدنيا ليصلحوا أخطاءهم ويعملون الصالحات ، إلّا أنّ القرآن يقول بصراحة : إنّ رجوع هؤلاء حرام تماما ، ولم يبق طريق لجبران ما صدر منهم.
وهذا يشبه ما جاء في الآية (٩٩) من سورة المؤمنون : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا ...).
وقد ذكرت في تفسير هذه الآية توضيحات أخرى نشير إلى بعضها في الهامش (١).
وعلى كلّ حال فإنّ هؤلاء المغفّلين في غرور وغفلة على الدوام ، وتستمرّ هذه التعاسة حتّى نهاية العالم ، كما يقول القرآن : (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ).
لقد بحثنا بصورة مفصّلة حول «يأجوج ومأجوج» ، وإنّهما من أيّة طائفة كانا؟
وأين كانا يعيشان؟ وأخيرا ماذا يعملان ، وماذا سيكونان؟ في ذيل الآية (٩٤) وما بعدها من سورة الكهف ، كما تكلّمنا على «السدّ» الذي بناه «ذو القرنين» في مضيق جبلي ليمنع نفوذهما أيضا ...
هل المراد من فتح هاتين الطائفتين تحطيم السدّ ، ونفوذهما عن هذا الطريق إلى مناطق العالم الأخرى؟ أم المراد نفوذهما في الكرة الأرضية من كلّ حدب وصوب؟ لم تتحدّث الآية عن ذلك بصراحة ، بل ذكرت انتشارهم وتفرّقهم في الكرة الأرضية كعلامة لنهاية العالم ومقدّمة للبعث والقيامة ، فتقول مباشرة : (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا). لأنّ الرعب يسيطر
__________________
(١) اعتبر البعض «الحرام» هنا بمعنى الواجب ، وقالوا : إنّ هذه الكلمة قد تأتي أحيانا بهذا المعنى ، فتكون (لا) زائدة ، ويصبح معنى الآية : إنّ رجوع هؤلاء في الآخرة واجب. وقال البعض الآخر : إنّ الحرام هنا يعني الحرام نفسه ، إلّا أنّ (لا) زائدة ، فيكون المعنى : إنّ رجوع هؤلاء إلى الدنيا حرام. واعتقد البعض الآخر أنّ المعنى عدم التوبة والرجوع إلى الله (تفسير مجمع البيان ، والفخر الرازي ، ذيل الآية مورد البحث). وقال بعض آخر : إنّ هذه الآية من قبيل نفي النفي ، فتقول : إنّ من المحال أن لا يرجع هؤلاء في القيامة ، أي إنّهم يرجعون (تفسير منهج الصادقين ، ذيل الآية مورد البحث) إلّا أنّ ما أوردناه في المتن هو الأنسب من الجميع.