لكن ملاحظة التعبيرات التي استعملت في الآية توضّح أنّ المراد من الزبور كتاب داود ، والذكر بمعنى التوراة ، ومع ملاحظة أنّ الزبور كان بعد التوراة ، فإنّ تعبير (مِنْ بَعْدِ) حقيقي ، وعلى هذا فإنّ معنى الآية : إنّنا كتبنا في الزبور بعد التوراة أنّنا سنورث العباد الصالحين الأرض.
وهنا ينقدح سؤال ، وهو : لماذا ذكر هذان الكتابان من بين الكتب السماوية؟
ربّما كان هذا التعبير بسبب أنّ داود كان أحد أكبر الأنبياء ، واستطاع أن يشكّل حكومة الحقّ والعدل ، وكان بنو إسرائيل مصداقا واضحا للقوم المستضعفين الذين ثاروا بوجه المستكبرين ودمّروا دولتهم واستولوا على حكومتهم وورثوا أرضهم.
والسؤال الآخر الذي يثار هنا هو : من هم عباد الله الصالحون؟
إذا لاحظنا إضافة العباد إلى الله ستتّضح مسألة إيمان هؤلاء وتوحيدهم ، وبملاحظة كلمة الصالحين التي لها معنى واسع ، فستخطر على الذهن كلّ المؤهّلات ، الأهليّة من ناحية التقوى ، والعلم والوعي ، ومن جهة القدرة والقوّة ، ومن جانب التدبير والتنظيم والإدراك الاجتماعي.
عند ما يهيء العباد المؤمنون هذه المؤهّلات والأرضيات لأنفسهم ، فإنّ الله سبحانه يساعدهم ويعينهم ليمرغوا انوف المستكبرين في التراب ، ويقطعوا أيديهم الملوّثة ، فلا يحكمون أرضهم بعد ، بل تكون للمستضعفين ، فيرثونها ، فبناء على ذلك فإنّ مجرّد كونهم مستضعفين لا يدلّ على الإنتصار على الأعداء وحكم الأرض ، بل إنّ الإيمان لازم من جهة ، واكتساب المؤهّلات من جهة أخرى ، وما دام مستضعفو الأرض لم يحيوا هذين الأصلين فسوف لا يصلون إلى وراثة الأرض وحكمها. ولذلك فإنّ الآية التالية تقول من باب التأكيد المشدّد : (إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ).
لقد اعتبر بعض المفسّرين (هذا) إشارة إلى كلّ الوعود والتهديدات التي