والبعض الآخر من المفسّرين يعتقد أنّ هذه الآية إشارة إلى جميع المشركين الذين يجادلون في التوحيد وفي قدرة الله.
إلّا أنّ سبب النّزول لا يمكنه أن يضيّق مفهوم هذه الآية ، فهذان القولان يصبّان في معنى واحد ، يشمل جميع الذين يشتركون في جدال مع الله تعالى ، إمّا عن تقليد أعمى ، وإمّا عن عصبية ، أو لإتّباع الخرافات ، أو الأهواء النفسية.
ثمّ تضيف هذه الآية (وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ) فهؤلاء الأشخاص الذين لا يتّبعون منطقا أو علما ، وإنّما يتّبعون كلّ شيطان عنيد ومتمرّد ، ولا يخضعون لشيطان واحد ، بل لجميع الشياطين! شياطين الإنس والجنّ ، الذين لكلّ منهم برنامجه وأحابيله وشراكه.
وكلمة «مريد» مشقّة من «مرد» وأصلها الأرض المرتفعة التي لا نبت فيها.
وتطلق أيضا كلمة «أمرد» على الشجرة الجرداء ، ولهذا تطلق أيضا على كلّ صبي لم ينبت الشعر في وجهه ، وهنا يقصد بـ «المريد» الشخص الذي خلا من أي خير وسعادة. وطبيعي أن يكون مثل هذا الشخص عنيدا وظالما وعاصيا. وبهذا يتّضح مصير الإنسان الذي يتّبع الشيطان الخالي من كلّ خير!!
ومن هنا كانت الآية اللاحقة (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) (١).
* * *
ملاحظات
١ ـ الجدال في الحقّ والباطل
رغم أنّ كلمة «المجادلة» تعني في عرف الناس البحث غير المنطقي ، فإنّ
__________________
(١) «السعير» مشتقّة من «سعر» بمعنى لهب النّار ، وتعني هنا نار جهنّم الحارقة. التي تمتاز بأنّها أكثر حرقا من أي نار.