لو دقّقنا في مفهوم السجود في هذه الآية لرأيناه يجمع بين المفهومين التشريعي والتكويني ، فتتيسّر الإجابة عن هذا السؤال ، لأنّ سجود الشمس والقمر والنجوم والجبال والأشجار والأحياء تكويني ، وسجود البشر تشريعي يؤدّيه ناس ويأباه آخرون ، فصدق فيهم القول : (كَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ). واستخدام لفظ واحد بمفهوم شامل عامّ مع الاحتفاظ بمصاديقه لا يضرّه شيئا ، حتّى عند الذين لا يجيزون استخدام كلمة واحدة لعدّة معان. فكيف بنا ونحن نجيز استعمال كلمة واحدة في معان عديدة؟
٢ ـ هل سجود الملائكة تشريعي؟
ممّا لا شكّ فيه أنّ عبارة (يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ) تضمّ الملائكة ، وسجودهم تشريعي ، لأنّهم عقلاء ذوو أحاسيس وعلم وإرادة ، أي أنّ سجودهم عبادة وخضوع على وفق إرادتهم ووعيهم ، بدلالة ما قاله القرآن الكريم عنهم : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (١).
أجوبة عن استفسارات
١ ـ لماذا جاءت عبارة (كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) بعد (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) التي تضمّ البشر كلّهم؟
يمكن القول أنّ هذه العبارة إيضاح لعبارة (مَنْ فِي الْأَرْضِ) أي أنّ أهل الأرض فئتان : الأولى مؤمنة خاضعة لله ، والأخرى كافرة متمرّدة عنيدة.
وقال بعض المفسّرين : إنّ تعبير (مَنْ فِي الْأَرْضِ) بصيغة العامّة إشارة إلى السجود التكويني ، الذي يشترك فيه جميع الناس بما فيهم الكفرة ، حيث تشارك
__________________
(١) التحريم ، ٦.