وبهذا تتّضح ملاءمة التّفسير الأوّل أكثر من غيره ، وهي إشارة إلى نشاط الشياطين وما يلقونه على الأنبياء لتعويق عملهم البنّاء ، غير أنّ الله يبطل ما يفعلون ويمحو ما يلقون.
٢ ـ اسطورة الغرانيق المختلفة!
جاء في بعض كتب السنّة رواية عجيبة تنسب إلى ابن عبّاس ، مفادها أنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان مشغولا بتلاوة سورة «النجم» في مكّة المكرّمة ، وعند ما بلغ الآيات التي جاء فيها ذكر أسماء أصنام المشركين (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) ألقى الشيطان على النّبي هاتين الجملتين وجعلهما على لسانه : (تلك الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهنّ لترتجى!) أي إنّهن طيور جميلة ذات منزلة رفيعة ومنها ترتجى الشفاعة (١)!
وقد فرح المشركون بذلك ، وقالوا : إنّ محمّدا لم يذكر آلهتنا بخير حتّى الآن.
فسجد محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وسجدوا هم أيضا ، فنزل جبرائيل عليهالسلام على الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم محذّرا من أنّه لم ينزل هاتين الآيتين وأنّهما من إلقاءات الشيطان. وهنا أنزل عليه الآيات موضع البحث (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ ...) محذّرا الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم والمؤمنين (٢). ورغم أنّ عددا من أعداء الإسلام نقلوا هذا الحديث وأضافوا عليه ما يحلو لهم للمساس برسالة النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والقرآن ، إلّا أنّه مختلق يبغي النيل من القرآن وأحاديث الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وهناك أدلّة دامغة عديدة تؤكّد اختلاق شياطين الإنس لهذا الحديث :
أوّلا : ذكر الباحثون ضعف رواته وعدم الثقة بهم ، ولا دليل على أنّه من رواية
__________________
(١) «الغرانيق» جمع غرنوق ، على وزن بهلول ، طائر يعيش في الماء أبيض أو أسود اللون ، كما جاء بمعان أخرى «قاموس اللغة».
(٢) جاء ذكر هذا الحديث نقلا عن جماعة من حفّاظ أهل السنّة في تفسير الميزان.