وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (١).
التّفسير
خمسة تعاليم بنّاءة ومهمّة :
بما أنّ الآيات السابقة تناولت بحث التوحيد والشرك وآلهة المشركين الوهميّة. وبما أنّ بعض الناس قد اتّخذوا الملائكة أو بعض الأنبياء آلهة للعبادة ، فانّ أوّل الآيات موضع البحث تقول بأنّ جميع الرسل هم عباد الله وتابعون لأمره : (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ).
أجل ، اختار الله من الملائكة رسلا كجبرئيل ، ومن البشر رسلا كأنبياء الله الكبار. و «من» هنا للتبعيض ، وتدلّ على أنّ جميع ملائكة الله لم يكونوا رسلا إلى البشر ، ولا يناقض هذا التعبير الآية الأولى من سورة فاطر ، وهي (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) لأنّ غاية هذه الآية بيان الجنس لا العموم والشمولية.
وختام الآية (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) أي إنّ الله ليس كالبشر ، لا يعلمون أخبار رسلهم في غيابهم ، بل إنّه على علم بأخبار رسله لحظة بعد أخرى ، يسمع كلامهم ويرى أعمالهم.
وتشير الآية الثّانية إلى مسئولية الأنبياء في إبلاغ رسالة الله من جهة ، ومراقبة الله لأعمالهم من جهة أخرى ، فتقول : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) إنّه يعلم ماضيهم ومستقبلهم (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) فالجميع مسئولون في ساحة قدسه.
ليعلم الناس أنّ ملائكة الله سبحانه وأنبياءه عليهمالسلام عباد مطيعون له مسئولون بين يديه ، لا يملكون إلّا ما وهبهم من لطفه ، وقوله تعالى : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) إشارة إلى واجب ومسئولية رسل الله ومراقبته سبحانه لأعمالهم ، كما جاء في
__________________
(١) تفاسير القرطبي ، وأبو الفتوح الرازي ، والفخر الرازي ، وروح المعاني.