هذه المراحل الأربعة المختلفة مضافا إلى مرحلة النطفة تشكّل خمس مراحل ، كلّ منها عالم عجيب بذاته ملي بالعجائب بحثت بدقّة في على الجنين ، وألّفت بصددها كتب وبحوث عميقة في عصرنا ، إلّا أنّ القرآن تكلّم عن هذه المراحل المختلفة لجنين الإنسان ، وبيّن عجائبه يوم لم يولد هذا العلم ولا يكن له أثر.
وفي الختام أشارت الآية إلى آخر مرحلة والتي تعتبر ـ في الحقيقة ـ أهمّ مرحلة في خلق البشر ، بعبارة عميقة وذات معنى كبير (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) و (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ).
مرحبا بهذه القدرة الفريدة ، التي خلقت في ظلمات الرحم هذه الصورة البديعة ، وصاغت من قطرة ماء كلّ هذه الأمور المدهشة.
طوبى لهذا العلم والحكمة والتدبير ، الذي خلق في هذا الموجود البسيط كلّ هذه القابليات والجدارة. تعالى الله فقد تجلّت قدرته فيما خلق.
وجدير بالذكر أنّ كلمة «الخالق» مشتقّة من «الخلق» وتعني بالأصل التقدير (١) ، حيث تطلق هذه الكلمة عند ما يراد تقطيع قطعة من الجلد فينبغي على الشخص أن يقيس أبعاد القطعة المطلوبة ثمّ يقطعها ، فيستخدم لفظ «الخلق» بمعنى التقدير ، لأهميّة تقدير أبعاد الشيء ، قبل قطعه.
أمّا عبارة (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) فتثير هذا التساؤل : هل يوجد خالق غير الله؟! وضع بعض المفسّرين تبريرات لهذه الآية في وقت لا حاجة فيه لهذه التبريرات ، لأنّ كلمة «الخلق» بمعنى التقدير والصنع ، ويصحّ ذلك بالنسبة لغير الله ، إلّا أنّ هناك اختلافا جوهريا بين الخلقين ...
يخلق الله المواد وصورها ، بينما يصنع الإنسان أشياءه ممّا خلق الله ، فهو يغيّر
__________________
(١) مختار الصحاح.