كما انتقلت آخر هذه الآيات إلى بحث مسألة المعاد (١).
أجل ، يمكن أن تعرف عظمة الله في خلق الإنسان في ظلمات الرحم ، واتّخاذه في كلّ مرحلة صورة جديدة مدهشة ، وكأنّ عشرات الأشخاص من رسّامين وصنّاع مبدعين التفّوا حول هذه القطرة من الماء ، وعملوا ليل نهار ليخرجوها بهذه الصورة البديعة ، ولتمرّ من صورة إلى أخرى أبدع ، حتّى تمرّ في مختلف مراحل الحياة.
وإذا تمكّنا من تصوير مراحل نمو الجنين بشكل كامل في فيلم سينمائي ، وعرضناها لفهمنا مدى العجائب التي تكمن في هذا العمل. وبتقدّم علم الجنين في عصرنا ودراسات العلماء وتجاربهم المختبرية على هذا الأمر ، اتّضحت الكثير من الغوامض التي عند ما يطّلع عليها المرء يصرخ دون إرادته (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) هذا من جهة.
ومن جهة ثانية نلاحظ الخلق المتعاقب واتّخاذه صورة جديدة في كلّ مرحلة ، وبالتالي ظهور إنسان للوجود كامل الخلق من تلك القطرة الصغيرة من الماء ... كلّ ذلك يدلّ على قدرة الله على بعث الإنسان ثانية إلى الحياة. وبهذا يمكن البرهنة بدليل واحد على مسألتين (٢).
٢ ـ آخر مرحلة في تكامل جنين الإنسان في الرحم
ممّا يلفت النظر استخدام الآيات السابقة لمراحل الجنين الخمسة تعبير «الخلق» ، في حين استخدمت كلمة «الإنشاء» لآخر مرحلة ، وكما ذكر اللغويون فإنّ كلمة «الإنشاء» تعني (خلق الشيء مع تربيته) وهذا التعبير يدلّ على اختلاف
__________________
(١) تناولنا في بداية سورة الحجّ خلال البحث الآيتين الخامسة والسابعة أدلّة المعاد ومنها استعراض مراحل الجنين في الرحم.
(٢) شرحنا مراحل الجنين وعظمة الخلق فيها في تفسير الآية السادسة من سورة آل عمران (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ).