(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) (١) بل إنّ ما يصل إلى مقام القرب هو الطيّب من الأعمال والأقوال :
(إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (٢).
وأحد امتيازات الإنسان الكبيرة على سائر الموجودات أنّ الله تعالى رزقه من الطيّبات: (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) (٣).
كما جاء في حديث موجز ثر المعنى عن الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم عرض لهذه الحقيقة «يا أيّها الناس ، إنّ الله طيّب لا يقبل إلّا طيّبا» (٤).
ثمّ دعت الآية جميع الأنبياء وأتباعهم إلى توحيد الله والتزام تقواه (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) فالاختلافات الموجودة بينكم ، وكذلك بين أنبيائكم ليست دليلا على التعدّدية إطلاقا. (وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ).
فنحن بين يدي دعوة واعية إلى وحدة الجماعة والقضاء على ما يثير التفرقة ، ليعيش الناس أمّة واحدة ، كما أنّ الله ربّهم واحد أحد.
ولهذا يجب أن ينتهج الناس ما نهجه الأنبياء عليهمالسلام إذ دعوا إلى اتّباع تعاليم موحدّة ، ذات أساس واحد في كلّ مكان «توحيد الله ومعرفة الحقّ ، الاهتمام بالمعاد والتكامل في الحياة ، والاستفادة من الطيّبات والقيام بالأعمال الصالحة.
والدفاع عن العدل والمبادئ الإنسانيّة».
ويرى بعض المفسّرين أنّ كلمة «أمّة» تعني هنا الدين والعقيدة. وليس المجتمع. إلّا أنّ ضمير الجمع في جملة (أَنَا رَبُّكُمْ) دليل على أنّ (الامّة) تعني
__________________
(١) البقرة ، ١٧٢.
(٢) فاطر ، ١٠.
(٣) الإسراء ، ٧٠.
(٤) تفسير القرطبي ، المجلّد السابع ، صفحة ٤٥١٩ (حول الآية موضع البحث).