ثمّ بيّنت الآية بطلان الشرك : أنّه لو كان هناك آلهة متعدّدة تحكم العالم ، فسيكون لكلّ إله مخلوقاته الخاصّة به يحكم عليها ويدبّر أمورها.
وسيكون تبعا لذلك أنظمة متعدّدة للعالم ، لأنّ كلّ واحد من الآلهة يدير منطقته بنظام خاص (إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ) وهذا ينافي وحدة النظام الحاكم في هذا العالم.
(وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) وهذه نتيجة محتومة لكلّ صراع ، إذ يسعى كلّ طرف فيه لغلبة الآخرين والهيمنة عليهم ، وهذا سيكون بذاته سببا آخر لتفكّك النظام الموحّد السائد في العالم.
وجاء في ختام الآية تقديس لله سبحانه (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ).
وزبدة الكلام ما نجده بوضوح من سيادة نظام موحّد لساحة الوجود كلّه.
فالقوانين السائدة لهذا العالم في أرضه وسمائه واحدة ، والنظام الحاكم لذرّة واحدة هو ذاته يحكم المجموعة الشمسيّة المنظومات الكبيرة ، ولو أتيحت لنا صورة مكبّرة لذّرة واحدة لحصّلنا على شكل المنظومة الشمسيّة ، والعكس صحيح.
وقد برهن العلماء في تجاربهم في مختلف العلوم ، باستخدام أدقّ الأجهزة وأحدثها على وحدة النظام السائد لهذا العالم كلّه. هذا من جهة.
ومن جهة أخرى إنّ الاختلاف والتباين يلازمان التعدّد دوما. فلو تشابهت صفات شيئين تمام التشابه لكانا شيئا واحدا ، إذ لا معنى لثنائيتهما عندئذ ، ولو فرضنا لهذا العالم آلهة عديدة لوقع أثر هذا التعدّد على مخلوقات العالم والنظام الحاكم له ، ولانتفت وحدة نظام الخلق.
مضافا إلى أنّ كلّ موجود لا بدّ أن يسعى لاستكمال وجوده إلّا الوجود الكامل من كلّ جهة فلا معنى للتكامل في وجوده حينئذ ، فلو فرضنا وجود مناطق خاصّة لكلّ إله من هذه الآلهة المزعومة ، وطبعا لا يكون لكلّ منها كمال مطلق ،