بحوث
١ ـ شوق اللقاء!
قد يكون قول موسى عليهالسلام في جواب سؤال الله تعالى له حول استعجاله إلى الميقات حيث قال : (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) عجيبا لدى من لم يعرف شأن جاذبية عشق الله ، إلّا أن الذين أدركوا هذه الحقيقة بكلّ وجودهم ، والذين إذا اقترب موعد الوصال اشتدّ لهيب العشق في أفئدتهم ، يعلمون جيدا أيّة قوّة خفيّة كانت تجرّ موسى عليهالسلام إلى ميقات الله ، وكان يسير سريعا بحيث تخلّف عنه قومه الذين كانوا معه.
لقد كان موسى عليهالسلام قد تذوق حلاوة الوصال والحبّ والمناجاة مع الله مرارا ، فكان يعلم أنّ كلّ الدنيا لا تعدل لحظة من هذه المناجاة.
أجل ... هذا هو طريق الذين تجاوزوا مرحلة العشق المجازي نحو مرحلة العشق الحقيقي ... عشق المعبود الأزلي المقدّس والكمال المطلق ، والحسن واللطف الذي لا نهاية له ، وكلّ ما عند المحسنين الصالحين جميعا عنده بمفرده ، بل إنّ جمال وحسن المحسنين كلّه ومضة بسيطة من إحسانه الدائم الخالد. فيا إلهنا الكبير من علينا بذرّة من هذا العشق المقدّس.
يقول الإمام الصادق عليهالسلام ـ كما روي عنه ـ «المشتاق لا يشتهي طعاما ، ولا يلتذّ شرابا ، ولا يستطيب رقادا ، ولا يأنس حميما ، ولا يأويّ دارا ... ويعبد الله ليلا ونهارا ، راجيا بأن يصل إلى ما يشتاق إليه ... كما أخبر الله عن موسى بن عمران في ميعاد ربّه بقوله: وعجّلت إليك ربّ لترضى» (١).
__________________
(١) تفسير نور الثقلين ، الجزء ٣ ، ص ٣٨٨.