٢ ـ الحركات المناوئة لنهضة الأنبياء!
من الطبيعي أن توجد في مقابل كلّ ثورة حركة مضادّة تسعى إلى تحطيم نتائج الثورة ، وإلى إرجاع المجتمع إلى مرحلة ما قبل الثورة ، وليس سبب ذلك معقّدا ولا غامضا ، لأنّ انتصار ثورة ما لا يعني فناء كلّ العناصر الفاسدة من الفترة السابقة دفعة واحدة ، بل تبقى حثالات منهم تبدأ نشاطها من أجل الحفاظ على وجودها وكيانها ، ومع اختلاف ظروف ومقدار وكيفيّة هؤلاء ، فإنّهم يقومون بأعمال تناهض الثورة سرّا أمّ علانية.
وفي حركة موسى بن عمران الثورية نحو توحيد واستقلال وحرية بني إسرائيل ، كان السامري زعيم هذه الحركة الرجعيّة المضادّة ، فقد كان عالما ـ كبقيّة قادة الحركات الرجعيّة ـ بنقاط ضعف قومه جيدا ، وكان يعلم أنّه قادر على أن يستغلّ هذه النقاط فيثير الفتنة فيهم ، فسعى أن يصنع من أدوات الزينة والذهب التي هي آلهة عبيد الدنيا ، وتجلب اهتمام عوام الناس ، عجلا على هيئة خاصة ، وجعله في مسير حركة الريح ـ أو بالاستعانة بأيّة وسيلة أخرى ـ ليخرج منه صوت. وذلك بانتهاز فرصة مناسبة ـ وهي غيبة موسى لعدّة أيّام ـ ونظرا إلى أنّ بني إسرائيل بعد النجاة من الغرق ، ومرورهم على قوم يعبدون الأصنام ، طلبوا من موسى صنما ، والخلاصة أنّهّ استغلّ كلّ نقاط الضعف النفسي ، والفرض المكانية والزمانية المناسبة ، وبدأ خطّته المضادّة للتوحيد. وقد نظّم هذه المواد بمهارة فائقة بحيث حرّف في مدّة قصيرة أغلبية الجهلة من بني إسرائيل عن خطّ التوحيد إلى طريق الشرك.
وبالرغم من أنّ هذه الخطّة قد أحبطت بمجرّد رجوع موسى وقوّة إيمانه ومنطقه بنور الوحي ، ولكن إذا لم يرجع موسى فما ذا كان سيحدث؟ إنّهم إمّا كانوا سيقتلون أخاه هارون حتما ، أو سيحجمونه بحيث لا يصل صوته إلى أحد.
أجل ... إنّ كلّ ثورة تحارب في البداية بهذه الصورة ، فيجب الحذر دائما ،