عند انتهاء الدنيا ، وربّما كان ذلك لأنّهم لم يكونوا يصدّقون إمكانية تصدّع وزوال هذه الجبال العظيمة التي امتدّت جذورها في أعماق الأرض وشمخت رؤوسها إلى السّماء ، وإذا كان بالإمكان قلعها من مكانها فأي هواء أو طوفان له مثل هذه القدرة ، ولذلك يقول : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ) والجواب : (فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً) (١).
يستفاد من مجموع آيات القرآن حول مصير الجبال أنّها تمرّ عند حلول القيامة بمراحل مختلفة :
في ترجف وتهتزّ أوّلا : (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ) (٢).
ثمّ تتحرّك : (وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً) (٣).
وفي المرحلة الثّالثة تتلاشى وتتحوّل إلى كثبان من الرمل : (وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً) (٤).
وفي المرحلة الأخيرة سيزحزحها الهواء والطوفان من مكانها ويبعثرها في الهواء وتبدو كالصوف المنفوش : (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) (٥)
ثمّ تقول الآية : إنّ الله سبحانه بعد تلاشي الجبال وتطاير ذرّاتها يأتي أمره إلى الأرض (فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً) (٦) (لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) (٧) وفي ذلك الحين
__________________
(١) «نسف» في اللغة تعني وضع الحبوب الغذائية في الغربال وغربلتها ، أو ذرها في الهواء لينفصل الحبّ عن القشر ، وهنا إشارة إلى تلاشي الجبال وتهشّمها ، ثمّ تناثرها في الهواء.
(٢) سورة المزمل ، ١٤.
(٣) سورة الطور ، ١٠.
(٤) سورة المزمل ، ١٤.
(٥) سورة القارعة ، ٥.
(٦) «القاع» : الأرض المستوية ، وفسّره البعض بأنّه المكان الذي يجتمع فيه الماء. وأمّا «الصفصف» فقد فسّرت أحيانا بأنّها الأرض الخالية من كلّ أنواع النباتات ، وأحيانا بمعنى الأرض المستوية. ويستفاد من مجموع هذين الوصفين أنّ كلّ الجبال والنباتات ستمحى من على وجه الأرض في ذلك اليوم وستبقى الأرض مستوية خالية.
(٧) «العوج» بمعنى الاعوجاج ، و «الأمت» أي الأرض المرتفعة والربية ، وبناء على هذا فإنّ معنى الآية هو أنّه لا يرى في ذلك اليوم أي ارتفاع وانخفاض على وجه الأرض.