إلى أهل الجنّة يتملّكهم اليأس والخيبة والحسرة.
ولمّا كانت طريقة القرآن غالبا هي بيان تطبيقي للمسائل ، فإنّه بعد أن بيّن مصير الظالمين في ذلك اليوم ، تطرّق إلى بيان حال المؤمنين فقال : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) (١).
التعبير بـ (مِنَ الصَّالِحاتِ) إشارة إلى أنّهم إن لم يستطيعوا أن يعملوا كلّ الصالحات فليقوموا ببعضها ، لأنّ الإيمان بدون العمل الصالح كالشجرة بلا ثمرة ، كما أنّ العمل الصالح بدون إيمان كالشجرة من دون جذر ، إذ قد تبقى عدّة أيّام لكنّها تجفّ آخر الأمر ، ولذلك ورد قيد (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) بعد ذكر العمل الصالح في الآية.
قاعدة : لا يمكن أن يوجد العمل الصالح بدون إيمان ، ولو قام بعض الأفراد غير المؤمنين ـ أحيانا ـ بأعمال صالحة ، فلا شكّ أنّها ستكون ضئيلة ومحدودة واستثنائية ، وبتعبير آخر : فإنّ العمل الصالح من أجل أن يستمر ويتأصّل ويتعمّق يجب أن يروى من عقيدة سالمة وإعتقاد صحيح.
* * *
بحثان
١ ـ الفرق بين الظلم والهضم
قرأنا في الآية الأخيرة من الآيات محلّ البحث أنّ المؤمنين الصالحين لا يخافون ظلما ولا هضما ، وقال بعض المفسّرين : إنّ «الظلم» إشارة إلى أنّ هؤلاء لا يخافون مطلقا من أن يظلموا في تلك المحكمة العادلة ويؤاخذوا على ذنوب لم
__________________
(١) «الهضم» في اللغة بمعنى النقص ، وإذا قيل لجذب الغذاء إلى البدن : هضم ، فلأنّ الغذاء يقلّ ظاهرا وتبقى فضلاته.