فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى).
ومن أجل أن يتّضح أيضا مصير الذين ينسون أمر الحقّ ، فقد أضاف تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى).
هنا (قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً)؟ فيسمع الجواب مباشرة : (قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) وتعمى عينك عن رؤية نعم الله ومقام قربه.
أمّا الآية الأخيرة من الآيات محلّ البحث فهي بمثابة الاستنتاج والخلاصة إذ تقول : (وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى).
* * *
بحوث
١ ـ الغفلة عن ذكر الحقّ وآثارها
قد توصد أحيانا كلّ أبواب الحياة بوجه الإنسان ، فكلّما أقدم على عمل يجد الأبواب المغلقة ، وقد تنعكس الصورة فأينما اتّجه يرى الأبواب مفتّحة في وجهه ، وقد تهيأت له مقدّمات العمل ، ولا يواجه عقبات في طريقه ، فيعبّر عن هذه الحالة بسعة العيش ورغده ، وعن الأولى بضيق المعيشة وشظفها ، والمراد من قوله تعالى : (مَعِيشَةً ضَنْكاً) (١) الوارد في الآيات محلّ البحث هو هذا المعنى أيضا.
وقد يكون ضيق العيش ناتجا أحيانا من قلّة المورد ، وقد يكون المرء كثير المال موفور الثراء. إلّا أنّ البخل والحرص والطمع يضيق عليه معاشه ، فلا يميل إلى فتح باب داره للآخرين لمشاركته نعيمه ، بل ولا يميل إلى الإنفاق على نفسه أيضا ، وعلى قول الإمام علي عليهالسلام : «يعيش عيش الفقراء ويحاسب حساب
__________________
(١) الضنك : المشقّة والضيق ، وهذه الكلمة تأتي دائما بصيغة المفرد ، وليس لها تثنية ولا جمع ولا تأنيث.