تسير بينها ، فإذا المشهد مشهد جبال حقا ، بضخامتها ومساقطها وارتفاعها وانخفاضها ، وإنّه لتعبير مصور للحقيقة التي لم يرها الناس إلّا بعد ما ركبوا الطائرات» (١).
ويمكن أن يضاف إلى ذلك أنّ العلماء يرون في كيفية تكون البرد في السماء أنّ قطرات المطر تنفصل من السحاب ، وإذا مرت بطبقة باردة من الهواء أصبحت ثلجا ، ثمّ تدفعها أحيانا العواصف الموجودة هناك إلى الأعلى ، فتدخل قطع الثلج هذه إلى داخل السحب ، ويكتسب بعضها مياها جديدة ثمّ تهبط ، فتجمد ثانية عند مرورها بطبقة من الهواء البارد جدّا.
وكلما تكرر وقوع هذا العمل نمت هذه القطع من الثلج وازداد وزنها ، إلى أن تقع على الأرض بعد أن تعجز الأعاصير عن دفعها إلى الأعلى مرّة أخرى. أو أنّ الإعصار يهدأ فيسقط البرد على الأرض.
وبهذا الشرح العلمي يتّضح لنا المراد من كلمة «الجبال» التي وردت في هذه الآية ، لأن تكوّن البرد بقطع كبيرة وثقيلة ممكن في حال تراكم السحب ، حتى يقذف الإعصار حبّات البرد وسطها ، لتكسب هذه الحبّات قدرا أكبر من مياه السحب.
وذلك ممكن في حالة وجود جبال مرتفعة من السحب ، لتكون مصدرا جيدا لتكون البرد. (٢)
ونقرأ هنا تحليلا آخر ذكره بعض الكتّاب ، وخلاصته كالآتي : «أشارت
__________________
(١) تفسير من ظلال القرآن المجلد (١٩ ـ ٢٠) صفحة ١٠٩ ـ ١١٠ ـ دار إحياء الكتب العربية ـ الطبعة الأولى.
(٢) تكرر حرف (من) ثلاث مرات في عبارة (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) أولاها ابتدائية ، وثانيتها لها نسبة مع ابتدائية ، وأمّا الثّالثة فقد اختلف في تفسيرها كما ذكرنا أعلاه ، فهي بحسب التّفسير الأوّل بيانية ، ويكون مفهوم الجملة هو ينزل من السماء من جبال من برد. وقد حذف مفعول الفعل (ينزل) وهو البرد ، ويفهم ذلك من قرينة في الكلام ، وعلى حسب التفسيرين الثّاني والثّالث اللذين اخترناهما تكون «من» إمّا زائدة (حسبما نقله تفسير روح المعاني عن الأخفش) أو هي للتبعيض.