بحثان
١ ـ مرض النفاق
ليست هذه المرة الأولى التي يستخدم فيها القرآن عبارة «المرض» للنفاق ، فقد استخدمها في مطلع سورة البقرة عند بيانه لصفات المنافقين (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) وكما قلنا في المجلد الأوّل في أثناء تفسير الآية المذكورة ، فإنّ النفاق في حقيقته مرض وانحراف عن الطريق السوي ، فالإنسان السليم له صورة واحدة هي انسجام روحه مع بدنه.
فإذا كان مؤمنا فكلّ أجزاء بدنه تعبر عن إيمانها ، وإذا كان عديم الإيمان فإنّ ظاهره وباطنه يكشفان عن كفره وانحرافه.
أمّا إذا كان متظاهرا بالإيمان ومبطنا للكفر ، فإنّ ذلك يعتبر نوعا من المرض.
وبما أن هؤلاء الأشخاص (المنافقين) لا يستحقون لطف الله ورحمته ، بسبب عنادهم وإصرارهم على المضي بمناهجهم المنحرفة ، فقد تركهم الله على حالهم ، ليزدادوا مرضا.
والمنافقون في الواقع أخطر مجموعة في المجتمع ، لأنّه لا يتّضح للمؤمن بأيّ أسلوب يجب أن يعاملهم ، فهم ليسوا أصدقاء ولا يبدون أنّهم أعداء ، فيستفيدون من إمكانات المؤمنين ويصونون أنفسهم عن العقاب المفروض على الكفار بالتظاهر وإخفاء حقائقهم المشؤومة ، فأعمالهم أتعس من أعمال الكفّار.
ولكن هؤلاء لا يمكنهم أن يواصلوا هذا المنهج لمدّة طويلة ، فلا بدّ أن يفتضح أمرهم وينكشف باطنهم. وكما ذكرت الآيات ـ موضع البحث ـ وسبب نزولها.
افتضاحهم في عملية تحكيم واحدة وانكشاف باطنهم الخبيث (١).
__________________
(١) لإيضاح أكثر حول صفات المنافقين يراجع التّفسير الأمثل من بداية سورة البقرة آخر الآية العاشرة وما يليها.