(وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) فلا تغتم ولا تحزن ، فإنّها شكاة ظاهر عنك عارها». (١)
التّفسير
هكذا كان جميع الأنبياء
في عدّة آيات سابقة وردت واحدة من ذرائع المشركين بهذه الصيغة : لماذا يأكل رسول الله الطعام ، ويمشي في الأسواق؟ وأجيب عليها بجواب إجمالي ومقتضب ، أمّا الآية مورد البحث فتعود إلى نفس الموضوع لتعطي جوابا أكثر تفصيلا وصراحة ، فيقول تعالى : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) فقد كانوا من البشر ويعاشرون الناس ، وفي ذات الوقت (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً) وامتحانا.
وهذا الامتحان ، قد يكون بسبب أنّ اختيار الأنبياء من جنس البشر ومن أوساط الجماهير المحرومة هو امتحان عظيم بذاته ، لأنّ البعض يأبون أن ينقادوا لمن هو من جنسهم ، خاصّة إذا كان في مستوى واطئ من حيث الإمكانات المادية ، وهم في مستوى عال ماديا ، أو أن أعمارهم أكبر ، أو أنّهم أكثر شهرة في المجتمع.
ويرد احتمال آخر في المراد بالفتنة ، وهو أنّ الناس عموما بعضهم لبعض فتنة ، ذلك أن المتقاعدين والعجزة والمرضى والأيتام والمزمنين فتنة للأقوياء والأصحاء السالمين ، وبالعكس ، فإنّ الأفراد الأصحاء الأقوياء فتنة للضعفاء والعجزة.
ترى هل أنّ الفريق الثّاني راض برضا الله! أم لا؟
__________________
(١) وإن كان قد جاء مضمون الرواية أعلاه في كثير من التفاسير ، ولكن ما ذكرناه أعلاه مطابق للرواية التي أوردها القرطبي في تفسيره «الجامع لأحكام القرآن» ج ١٣ ، ص ٥ دار إحياء التراث العربي / بيروت.