آفات العمل الصالح :
كلمة «هباء» بمعنى ذرات الغبار الصغيرة جدّا التي لا ترى بالعين المجرّدة وفي الحال العادية أبدا إلّا في الوقت الذي يدخل نور الشمس إلى الغرفة المظلمة من ثقب أو كوّة ، فيكشف عن هذه الذرات ويمكن مشاهدتها.
هذا التعبير يدل على أن أعمال أولئك لا قيمة لها ولا اثر إلى حدّ كأنّهم لم يعملوا شيئا ، وإن كانوا قد سعوا واجتهدوا سنين طويلة.
هذه الآية نظيرة الآية (١٨) من سورة إبراهيم التي تقول : (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ).
الدليل المنطقي لذلك واضح أيضا ، لأنّ الشيء الذي يعطي عمل الإنسان الشكل والمحتوى ، هو النيّة والدافع وغاية العمل النهائية ، فأهل الإيمان يتوجهون لإنجاز أعمالهم بدافع إلهي وعلى أساس أهداف مقدسة طاهرة ، وخطط سليمة صحيحة ، في حين أن من لا إيمان لهم ، فغالبا يقعون أسارى التظاهر والرياء والغرور والعجب ، فيكون سببا في انعدام أية قيمة لأعمالهم.
على سبيل المثال ، نحن نعرف مساجد من مئات السنين ، لم تترك عليها القرون الماضية أدنى تأثير ، وبعكسها نرى بيوتا تظهر فيها الشروخ وعلامات الضعف مع مضي شهر واحد أو سنة واحدة ، فالأولى بنيت من كل النواحي بناء محكما بأفضل المواد مع توقع الحوادث المستقبلية ، أمّا الثّانية فلأن الهدف من بنائها هو تهيئة المال والثروة عن طريق المظاهر والحيلة ، فالعناية فيها كانت بالزخرفة فقط. (١)
من وجهة نظر المنطق الإسلامي ، فإن للأعمال الصالحة آفات ، ينبغي مراقبتها بدقة ، فقد يكون العمل أحيانا خرابا وفاسدا منذ البداية ، كمثل العمل الذي يتخذ
__________________
(١) بحثنا في هذا الصدد بصورة أكثر تفصيلا في (ذيل الآية ١٨ من سورة إبراهيم).