قلت : ما عندنا فيه إلّا حديث عمر ، إنّ الله أجرى في الشهادة كلمتين على العباد ، قال : ليس كذلك يا أبا حنيفة ولكنّ الزنا فيه حدّان ، ولا يجوز أن يشهد كلّ اثنين على واحد ، لأنّ الرجل والمرأة جميعا عليهما الحدّ ، والقتل إنّما يقام الحدّ على القاتل ويدفع عن المقتول (١).
وهناك حالات معينة في الزنا ، ينفذ الحد فيها على طرف واحد (كالزنا بالإكراه وأمثاله) إلّا أنها حالات مستثناة والمتعارف فيه اتفاق الطرفين ، ومن المعلوم أن غايات الأحكام تتبع الغالب في الأفراد.
٣ ـ الشّرط المهم في قبول التوبة
قلنا مرارا : إنّ التوبة ليست فقط بالندامة على ما اقترفه الإنسان وتصميمه على تركه في المستقبل ، بل تقتضي ـ إضافة إلى هذا ـ أن يقوم الشخص بالتعويض عن ذنوبه اقترفها ، فإذا وجّه المرء تهمة لامرأة أو رجل طاهر ثمّ تاب ، فيجب عليه أن يعيد الاعتبار إلى من تضرّر باتّهامه ، وذلك بأن يكذب هذه التهمة بين كل الذين سمعوها عنه.
فعبارة (وَأَصْلَحُوا) التي أعقبت عبارة (تابُوا) هي إشارة إلى هذه الحقيقة ، حيث أوجبت التوبة ـ كما قلنا ـ أولا ، ثمّ إصلاح ما أفسده وإعادة ماء وجه الذي أساء إليه ، وليس صحيحا أن يتّهم إنسان أخاه ظلما في ملأ عام ، أو يعلن عن ذلك في الصحّف وأجهزة الإعلام ، ثمّ يستغفر في خلوة داره ـ مثلا ـ ويطلب من الله الصفح عنه ، وبالطبع لن يقبل الله مثل هذه التوبة.
لذلك روي عن أئمّة المسلمين قال الرّاوي : سألته عن الذي يقذف المحصنات ، تقبل شهادته بعد الحدّ إذا مات؟ قال : نعم ، قلت ، وما توبته؟ قال :
__________________
(١) نور الثقلين ، المجلد الثالث ، ص ٥٧٤.