٢ ـ الآثار العميقة لنزول القرآن التدريجي
صحيح أنّه كان للقرآن نزولان ، طبقا للرّوايات (بل لظاهر بعض الآيات) : أحدهما: «نزول دفعي» مرّة واحدة في ليلة القدر على قلب النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والآخر: «نزول تدريجي» في ثلاث وعشرين سنة ، لكن بلا شك أن النّزول المعترف به الذي كان النّبي والناس يتفاعلون معه دائما هو النّزول التدريجي للقرآن.
وهذا النّزول التدريجي بالذات صار سببا لاستفهامات الأعداء : لماذا لم ينزل القرآن مرّة واحدة ويجعل دفعة واحدة بين أيدي الناس ، حتى يكونوا أكثر اطلاعا وتفهما ، فلا يبقى مكان للشك والريبة؟
ولكن ـ كما رأينا ـ فإنّ القرآن أجابهم جوابا قصيرا وجامعا وبليغا من خلال جملة (كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) ، فكلما تأملنا فيها أكثر تتجلى آثار النّزول التدريجي للقرآن أوضح.
١ ـ لا شك أنّ التشريعات إذا كانت تتنزل بشكل تدريجي تبعا للحاجات ، ويكون لكل مسألة شاهد ومصداق عينيّ ، فستكون مؤثرة جدّا من ناحية «تلقي الوحي» وكذلك «إبلاغ الناس».
مبادئ التربية تؤكّد أنّ الشخص أو الأشخاص المراد تربيتهم ينبغي أن يؤخذ بأيديهم خطوة خطوة ، فينظم لهم لكل يوم برنامج ، ويسلكوا من المرحلة الأدنى التي شرعوا منها إلى المراحل الأعلى والبرامج التي تتدرج بهذه الكيفية تكون أكثر مقبولية وأعمق أثرا.
٢ ـ إنّ هؤلاء المعترضين غافلون أساسا عن أنّ القرآن ليس كتابا عاديا يبحث في موضوع أو علم معين ، بل هو منهج حياتي للأمة التي تغيرت به ، واستلهمت منه في جميع أبعاد الحياة ولا تزال.
كثير من آيات القرآن نزلت في مناسبات تاريخية مثل معركة (بدر) و (أحد) و (الأحزاب) و (حنين) ، وبذلك سنّت التشريعات والاستنتاجات من هذه