لكن العادة ليست كذلك ، فهذا الماء «العذب الفرات» المستقر إلى جوار الماء «المالح والأجاج» يعدّ ذخيرة عظيمة لهم.
معلوم أن وجود العلل الطبيعية في مثل هذه المسائل لا يقلل من قيمتها أبدا ، وإلّا فما هي الطبيعة؟ ليست هي إلّا فعل الله وإرادته ومشيئته ، وهو تعالى الذي منح هذه الخواص لهذه الموجودات.
والملفت للنظر أنّ الإنسان حينما يجتاز هذه المناطق بالطائرة ، يرى جيدا هذان الماءان المختلفان في اللون ، غير الممتزجين ، فيذكّر هذا المشهد الإنسان بهذه النكتة القرآنية.
إنّ جعل هذه الآية وسط آيات تتعلق بـ «الكفر» و «الإيمان» ربّما تكون أيضا إشارة وتمثيلا لهذا الأمر ، ففي المجتمع الواحد أحيانا ، وفي المدينة الواحدة ، بل حتى في البيت الواحد أحيانا ، يتواجد أفراد مؤمنون كالماء العذب والفرات ، مع أفراد بلا إيمان كالماء المالح الأجاج ... مع طرازين من الفكر ، ونوعين من العقيدة ، ونمطين من العمل ، طاهر وغير طاهر ، دون أن يمتزجا.
في الآية التالية ـ بمناسبة البحث في نزول المطر ، وفي البحرين العذب والأجاج المتجاورين يتحدث القرآن الكريم عن خلق الإنسان من الماء ، فيقول تعالى : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً).
حقا إن النحت في الماء ، وخلق صورة بديعة كهذه على الماء ، دليل على عظمة قدرة الخالق ، وكان الكلام في الآيات السابقة حول إحياء النباتات بواسطة المطر ، والكلام ـ هنا عن مرحلة أعلى ، يعني خلق الإنسان من الماء.
وبين المفسّرين أقوال في المراد من الماء هنا :
ذهب جماعة أنّ المقصود من «بشر» هو الإنسان الأول ، يعني آدم عليهالسلام ، ذلك لأنّ خلقه كان من «طين» يعني عجينا من ماء وتراب ، إضافة إلى أن الماء كان أوّل موجود خلقه الله تعالى طبقا للرّوايات الإسلامية ، وخلق الإنسان من ذلك الماء ،