فمن عزته أنه متى شاء أن يهلك الأمم المسرفة الباغية أصدر أمره فأهلكها ، ولا يحتاج أن يرسل جنودا من ملائكة السماء لإهلاك أمّة جبّارة ... فيكفي أن يهلكها بما هو سبب حياتها ، كما أهلك فرعون وقومه بالنيل الذي كان أساس حياتهم وثروتهم وقدرتهم ، فإذا هو يقبرهم فيه!!
ومن رحمته أنّه لا يعجل في الأمر أبدا ، بل يمهل سنين طوالا. ويرسل معاجزه إتماما للحجة ، ومن رحمته أن يخلص هؤلاء المستعبدين من قبضة الجبابرة الظالمين.
* * *
مسائل مهمة :
١ ـ معبر بني إسرائيل!
ورد التعبير في القرآن مرارا عن موسى أنه عبر بقومه «البحر» (١) كما جاء في بعض الآيات لفظ «اليمّ» بدلا من البحر. (٢)
والآن ينبغي أن نعرف ما المراد من «البحر» و «اليم» هنا ، أهو إشارة إلى النهر الكبير الواسع في مصر ، النيل الذي يروي جميع أراضيها؟ أم هو إشارة إلى البحر الأحمر «المعروف ببحر القلزم في بعض المصطلحات»؟
يستفاد من التوراة الحالية ـ وكذلك من كلمات بعض المفسّرين ـ أنه إشارة إلى البحر الأحمر ... إلّا أن القرائن الموجودة والمتوفرة تدل على أنّ المراد منه هو نهر النيل ، لأن «البحر» كما يقول الراغب في مفرداته يعني في اللغة الماء الكثير الواسع ، واليم بهذا المعنى أيضا. فلا مانع إذا من إطلاق الكلمتين على نهر النيل.
وأمّا القرائن المؤيدة لهذا الرأي فهي :
__________________
(١) اقرأ في سورة «يونس : الآية ٩٠ ـ وطه الآية ٧٧ ـ والشعراء الآية ٦٣ ، والآية محل البحث أيضا.
(٢) اقرأ سورة طه الآية ٧٨ ـ والقصص الآية ٤٠ ـ والذاريات الآية ٤٠.