المنحرفين والمنافقين الحاقدين إلى جحورهم.
ومهما يكن سبب نزول هذه الأحكام ، فإنها لا تخص سبب النّزول وحده ، ولا تنصرف لزمانه ومكانه فقط ، بل هي أحكام نافذة في كلّ بيئة وزمان.
بعد هذا الحديث نشرع في تفسير هذه الآيات لنرى كيف يتابع القرآن بفصاحته وبلاغته هذه الحادثة الخاصّة ، وكيف يبحث تفاصيلها بدقة.
* * *
التّفسير
حديث الافك المثير :
تقول أوّل آية من الآيات موضع البحث ، دون أن تطرح أصل الحادثة (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) لأن من علائم الفصاحة والبلاغة ، حذف الجمل الزائدة ، والاكتفاء بما تدلّ عليه الكلمات من معان شاملة.
كلمة «الإفك» على وزن «فكر» كما يقول الراغب الأصفهاني : يقصد بها كل مصروف عن وجهه ، الذي يحق له أن يكون عليه ، ومنه قيل للرياح العادلة عن المهاب «مؤتفكة» ثمّ أطلقت على كل كلام منحرف عن الحق ومجانب للصواب ، ومن ذلك يطلق على الكذب «أفك».
ويرى «الطبرسي» في مجمع البيان أن الإفك لا يطلق على كل كذبة بل الكذبة الكبيرة التي تبدل الموضوع عن حالته الأصلية ، وعلى هذا يستفاد أن كلمة «الإفك» بنفسها تبيّن أهمية هذه الحادثة وكذب التهمة المطروحة.
وأمّا كلمة «العصبة» فعلى وزن «فعلة» مشتقّة من العصب ، وجمعها أعصاب ، وهي التي تربط عضلات الجسم بعضها مع بعض ، وعلى شكل شبكة منتشرة في الجسم ، ثمّ أطلقت كلمة «عصبة» على مجموعة من الناس متحدة وذات عقيدة واحدة.