فأنتم تستطيعون أن تنثروا البذور وتسقوا الأرض ، لكن الذي جعل الحياة في قلب البذرة ، وأمر الشمس أن تشرق على الأرض ، والماء ينزل من السماء حتى تنبت البذرة فتكون شجرا ، هو الله فحسب.
فهذه حقائق لا يمكن إنكارها ، ولا أن تنسب لغير الله ... فهو الذي خلق السماوات والأرض ، وهو الذي أنزل الغيث من السماء ، وهو مبدأ هذه البهجة والحسن والجمال في عالم الحياة!.
إن مجرّد التأمل في لون الزهرة الجميلة ، وأوراقها اللطيفة المنظمة التي تشكل حلقة رائعة .. كاف أن يجعل الإنسان عارفا بعظمة الخالق وقدرته وحكمته .. فهذه الأمور تهز قلب الإنسان وتدعوه إلى الله.
وبتعبير آخر فإن التوحيد في الخلق يؤدي الى «توحيد الخالق» ، والتوحيد في الربوبيّة «توحيد مدبّر هذا العالم» باعث على «توحيد العبادة»!.
ولذلك فالقرآن يقول في نهاية الآية : (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) ولكن هؤلاء جهلة عدلوا عن الله وعبدوا ما لا ينفعهم ولا يضرهم (بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) (١).
والسؤال الثّاني بحث عن موهبة استقرار الأرض وثباتها ، وأنّها مقر الإنسان في هذا العالم ، فيقول : هل أنّ أصنامكم أفضل ، (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ) (٢) كما تحافظ على القشرة الارضية من الزلازل ، كما (وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً) ومانعا من اختلاط البحر المالح بالبحر العذب.
وهكذا فقد ورد في هذه الآية ذكر أربع نعم عظيمة ، ثلاث منها تتحدث عن استقرار الأرض! فتقول :
إن استقرار الأرض في الوقت الذي تتحرك بسرعة وتدور حول نفسها
__________________
(١) قد يكون (يعدلون) من مادة (العدول) أي الانحراف والرجوع من الحق إلى الباطل ، أو أنّه مادة (عدل) على وزن (قشر) ومعناه المعادل والنظير .. ففي الصورة الأولى مفهوم الآية أنّهم ينحرفون عن الله الواحد إلى غيره ، وفي الصورة الثّانية مفهومها أنّهم يجعلون له عديلا.
(٢) «الخلال» في الأصل معناه الشق بين الشيئين. و «الرواسي» جمع «راسية» ، وهي الثابتة.