بحث
إساءة الاستفادة من آية (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ)
لقد اتّخذ بعض أتباع المذاهب المصطنعة المبتدعة (١) الآية أعلاه وسيلة ودليلا لتوجيه مسلكهم ومذهبهم ، وأرادوا أن يطبّقوا هذه الآية على مرادهم بارتكاب المغالطات والاشتباهات وادّعوا أنّ المراد من «الأمر» في الآية : الدين والمذهب ، و «التدبير» : يعني إرسال الدين ، و «العروج» : يعني رفع ونسخ الدين! واستنادا إلى هذا فإنّ كلّ مذهب أو دين لا يمكنه أن يعمّر أكثر من ألف سنة ، ويجب أن يترك مكانه لدين آخر ، وبهذا فإنّهم يقولون : إنّنا نقبل القرآن ، لكن ، واستنادا إلى نفس هذا القرآن فإنّ دينا آخر سيأتي بعد مرور الف سنة!
والآن نريد أن نبحث ونحلّل الآية المذكورة بحثا محايدا ، لنرى هل يوجد فيها ارتباط بما يدّعيه هؤلاء ، أم لا؟ ونغضّ النظر عن أنّ هذا المعنى بعيد عن مفهوم الآية إلى الحدّ الذي لا يخطر على ذهن أيّ قارئ خالي الذهن.
إنّنا نرى ـ بعد الدقّة ـ أنّ ما يقولونه لا ينسجم مع مفهوم الآية ، بل إنّه مشكل بصورة واضحة من جهات كثيرة :
١ ـ إنّ تفسير كلمة «الأمر» بالدين لا دليل عليه ، بل تنفي آيات القرآن الاخرى ذلك ، لأنّ كلمة الأمر قد استعملت في آيات اخرى بمعنى أمر الخلق ، مثل (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٢).
وقد استعملت كلمة الأمر في هذه الآية ، وآيات اخرى مثل : الآية ٥٠ / سورة القمر ، الآية (٢٧) من سورة المؤمنون ، الآية (٥٤) من سورة الأعراف ، (٣٢) من سورة إبراهيم ، (١٢) من سورة النحل ، (٢٥) من سورة الروم ، (١٢) من سورة الجاثية ، بمعنى الأمر التكويني ، لا بمعنى تشريع الدين والمذهب.
__________________
(١) «البهائية والبابية».
(٢) سورة يس ، ٨٢.