الطاعة ، وهذه الحالة تحصل لأغلب الناس وإن اختلفت درجاتها ، أمّا أعلى مراتبها فلا تحصل إلّا لفئة قليلة منهم.
أمّا «الخشية» فهي الحالة التي تحصل للإنسان لدى إدراكه عظمة الله وهيبته ، والخوف من بقائه مبعدا عن أنوار فيضه ، وهذه الحالة لا تحصل إلّا لأولئك الذين وقفوا على عظمة ذاته المقدّسة وجلال كبريائه ، وتذوّقوا طعم قربه ، ولذلك عدّ القرآن هذه الحالة خاصّة بعباد الله العلماء فقال : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (١).
٣ ـ جواب عن سؤال؟
قد يقال : إنّ هذه الآية تتناقض مع ما مرّ في الآيات السابقة ، فهي تقول هنا : إنّ أنبياء الله لا يخشون إلّا الله ، ولا يخشون أحدا غيره ، إلّا أنّه قد ورد في الآيات السابقة : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ)؟
إلّا أنّ الإجابة على هذا السؤال تتّضح بتأمّل النقطتين التاليتين :
الاولى : أنّ النّبي صلىاللهعليهوآله إنّما كان خائفا من عدم تحمّل عدد كبير من الناس لنقض هذه السنّة ، ومن عدم استيعابهم للمسألة ، وبذلك ستتزعزع أسس إيمانهم من هذه الجهة ، ومثل هذه الخشية ترجع في الحقيقة إلى خشية الله سبحانه.
والاخرى : أنّ الأنبياء لا يعيشون حالة الخوف والقلق من شخص ما في تبليغهم رسالات الله ، أمّا في ما يتعلّق بأمور الحياة الشخصية والخاصّة فلا مانع من أن يخافوا من أمر خطير كاتّهام وطعن الناس ، أو أن يكونوا كموسى عليهالسلام إذ خاف ـ حسب الطبيعة البشرية ـ عند ما ألقى العصا وتحوّلت إلى ثعبان عظيم ، فإنّ مثل هذا الخوف والاضطراب إذا لم يكن مفرطا لا يعدّ عيبا ونقصا ، بل قد يواجه هذه
__________________
(١) مجمع البحرين مادّة خشي.