الألسن ، وذكريات في الخواطر ، وكلمات على صفحات التاريخ (وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ).
كيف دمّرنا أرضهم بحيث سلبت منهم معها قدرة البقاء فيها ، وبذا أصبحوا مجبرين على أن يتفرّقوا كلّ مجموعة إلى جهة لإدامة حياتهم ، ونثروا كما تنثر أوراق الخريف التي عصفت بها الريح حتّى أضحى تفرّقهم مثلا يضرب فقيل : «تفرّقوا أيادي سبأ» (١).
وكما قال بعض المفسّرين ، فقد ذهبت قبيلة (غسّان) إلى الشام ، و (أسد) إلى عمان ، و (خزاعة) إلى جهة تهامة ، و (أنمار) إلى يثرب (٢).
وفي ختام الآية يقول تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) ، لأنّ الصابرين والشاكرين وحدهم يستطيعون الإعتبار ممّا جرى ، خصوصا مع ملاحظة أنّ كلّا من (صبّار) و (شكور) هي صيغة مبالغة. ذلك لكونهم بصبرهم واستقامتهم يتمكّنون من الإمساك بزمام مركب الهوى والهوس الجموح ، ويقفون بوجه المعاصي ، وبشكرهم لله تعالى في طريق طاعته فإنّهم مرتبطون به وييقظون ، وعليه فإنّهم يأخذون العبرة بشكل جيّد ، أمّا أولئك الذين ركبوا سفينة الهوى وتجاهلوا نعم الله عليهم فكيف يمكنهم أخذ العبرة ممّا جرى؟
* * *
بحوث
١ ـ المصير المذهل لقوم سبأ!!
يستفاد ممّا ورد في القرآن الكريم والروايات ، وكذلك كتب التاريخ ، بأنّ «قوم سبأ» كانوا يقطنون جنوب الجزيرة ، وكانت لهم حكومة راقية ، وحضارة خلّابة.
__________________
(١) نقل هذا المثل على صورتين «تفرّقوا أيدي سبأ» و «أيادي سبأ» ، ففي الشكل الأوّل إشارة إلى التمزّق البشري ، والشكل الثّاني إشارة إلى تمزّق الأموال والنعم والإمكانات ، لأنّ «أيادي» عادة تستعمل بمعنى النعم.
(٢) تفسير القرطبي وتفسير أبي الفتوح الرازي ، ذيل الآيات مورد البحث.