إنّه غنيّ على الإطلاق ، وحميد من كلّ جهة ، لأنّ كلّ موهبة في هذا العالم تعود إليه ، وكلّ ما يملكه الإنسان فإنّه صادر منه وخزائن كلّ الخيرات بيده ، وهذا دليل حيّ على غناه.
ولمّا كان «الحمد» بمعنى الثناء على العمل الحسن الذي يصدر عن المرء باختياره ، وكلّ حسن نراه في هذا العالم فهو من الله سبحانه ، فإنّ كلّ حمد وثناء منه ، فحتّى إذا مدحنا جمال الزهور ، ووصفنا جاذبية العشق الملكوتي ، وقدّرنا إيثار الشخص الكريم ، فإنّنا في الحقيقة نحمده ، لأنّ هذا الجمال والجاذبية والكرم منه أيضا .. إذن فهو حميد على الإطلاق.
ثمّ تجسّد الآية التالية علم الله اللامحدود من خلال ذكر مثال بليغ جدّا ، وقبل ذلك نرى لزوم ذكر هذه المسألة ، وهي ـ طبقا لما جاء في تفسير علي بن إبراهيم : إنّ قوما من اليهود عند ما سألوا النّبي صلىاللهعليهوآله حول مسألة الروح ، وأجابهم القرآن بأن (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) صعب هذا الكلام عليهم ، وسألوا النّبي صلىاللهعليهوآله : هل أنّ هذا في حقّنا فقط؟ فأجابهم النّبي صلىاللهعليهوآله : «بل الناس عامّة» ، قالوا : فكيف يجتمع هذا يا محمّد؟! أتزعم أنّك لم تؤت من العلم إلّا قليلا ، وقد أوتيت القرآن وأوتينا التوراة ، وقد قرأت : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ) ـ وهي التوراة ـ (فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) هنا نزلت الآية (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ ...) ـ الآية مورد البحث ـ وأوضحت أنّ علم الإنسان مهما كان واسعا فإنّه في مقابل علم الله عزوجل ليس إلّا ذرّة تافهة ، والذي يعدّ كثيرا في نظركم ، هو قليل جدّا عند الله (١).
وقد بيّنا نظير هذه الرواية عن طريق آخر في ذيل الآية (١٠٩) من سورة الكهف.
__________________
(١) تفسير البرهان ، الجزء ٣ ، صفحة ٢٧٩.